القضية
صباح شتوي غائم ،وبلا شعاع شمس واحد يذكر ، برودة قارصة. رأيت نفسي أمشي بلا هدي، وبدون أي فكرة أو نية مسبقة، مرتديا سترة جلدية سوداء ،وبنطال جينز أزرق، وعلي قدمي حذاء رياضي لونه بيج، أسفل سور أصفر اللون ،ومرتفع جداً ،بين حشائش وسنابل قمح يافعة ،بجانبي ترعة صغيرة، كأنها مجري مائي يفصل بين تلك الحشائش والأسفلت ،علي الجانب الآخر، جلس رجل بصنارة، أسفل شجرة كبيرة يصيد .علي الأسفلت ، سيارات تمر بسرعة، وأخرى تأتي ببطء. عربة كارو، يجرها حمار أبيض كبير ،في مقدمة الكارو، جلست إمرأة حجمها كبير، ترتدي جلبابا من قماش رخيص أخضر اللون ومنقط بالأسود ، تضع شالا أزرق، يلتفت حول الجبهة والعنق. لها صدر عريض وكبير .تقود المرأة العربة بمهارة وإقتدار .لا أعرف حقيقة سبب مجيء إلي هذا المكان ؟كأني مستيقظ لتوي هنا ! ،أحاول جاهداً أن أتذكر، ولكن بلا جدوي. بقع زيتية كبيرة وصغيرة علي صدر السور ،ورائحة بول عفنة ومقززة تأتي من أسفله ، لدرجة جعلتني أظن أنني، ربما، أتيت هنا لقضاء حاجتي ، أو، ربما ،كنت في سيارة أجرة ، وطلبت من السائق مثلاً أن ينزلني لمغص شديد أصابني ،ربما، لا أدري! .يالا قسوة الحياة ،عندما ينحصر سؤلك الوجودي في معرفة ما إذا كنت قد أتيت هذا المكان الغريب لقضاء حاجتك ؟أم لا،؟ ولا تعرف ،أي عبث وفوضى تلك !! تقدمت خطوات بحذاء السور ، والأسئلة كالمطر الذي لايريد أن يتوقف، حتي وجدتني بجانب بوابة حديدية، توقفت مستطلعا ومستغربا في آن واحد ،فوجدتها تفتح تلقائيا ، رغم أنني لم أضرب جرسا ولم أنادي أحدا. لم أفكر ودخلت فوجدت أخوتي ،وأبناء العمومة ،ومعظم أقاربي، جميعهم موجودون ويلعبون الكرة في باحة فسيحة خضراء، وهم غاية في السعادة والمرح. ثم جاءني البواب يجري من الداخل بجلبابه البني اللون وطاقيته الرمادية ،وهو يقول :أهلاً بك محمد بك ،حمد لله علي سلامتك ،مبارك عليك وعلي العائلة. ثم وقف أمامي يقول :هذا بيتكم الجديد، ثم أشار بيده إلي لوحة أعلي مبني من أربع طوابق مكتوب عليها (أبو علي للاقطان والأحذية الجلد ) ثم أتبع البواب قائلاً :مبارك ..مبارك عليكم يا بك ، العائلة كسبت القضية ، وتملكت المصنع، وقد قرر مجلس إدارة العائلة تحويل المصنع إلي بيت كبير، يضم ويجمع العائلة من شرقها إلي غربها ،ثم أشار إلي أن أتبعه ،فسرت خلفه تاركا إخوتي،وأقاربي، يلعبون الكرة دون أن أقول لهم أي شيء ،وصعدنا سلم المصنع حتي الطابق الأخير ،ثم قال لي :هذا الدور خاص بك وحدك، وقد صدر أيضاً قراراً بترقيتك إلى مشرف ومراقب عام علي أملاك العائلة في مصر وأوروبا وأمريكا اللاتينية . ثم نادي وهو يصفق مرة واحدة :تفيدة. .. تفيدة ، فلم ترد تفيدة ، ثم قال: أفتح الغرفة الأولى يا محمد بك فهي غرفتك ،فذهبت لفتح الغرفة، فوجدت إمرأة ترتدي قميصا شفافا لونه أحمر، وتمسح الغرفة بخيشة بنية اللون ، جسدها يهتز كقطعة ملبن فانتشيت للغاية،ورغبت في أعماقي أن تستمر في عملها دون أن تلتفت لوجودي . لكنها مع الأسف شعرت بي وإستدارت واقفة ، وهي تمسح يديها برقة ونعومة في القميص .
قلت لها مداريا حزني :أنت اذن تفيده؟! مرحبا.... مرحبا
قالت بدلال :نعم يا كبير، أنا أمينة السر الخاصة بك .