" أساس الدعوة إلى الله"
مما لا شك فيه أن الدعوة إلى الله أفضل وأشرف المهن على وجه الأرض لأنها متصلة بالله وتدعو الناس إلى الإتصال بالله في كل مكان وزمان، فهي دعوة واحدة وهذا لا جدال فيه ولا نقاش.. هي مهنة الأنبياء وإرثهم ومهنة الصالحين من بعدهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد أثنى الله عز وجل على الدعاة في قوله ﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ﴾ الصفت الآية ٣.
وأساس الدعوة إلى الله العلم والفقه وعدم أخذ الأجر ..، فهذه الشروط ضرورية لكل داعية وقد وردت الكثير من النصوص القرآنية تبين وتوضح أن أساس الدعوة إلى الله هو عدم أخذ أجر مادي سواء كان مالا أو عرض من عروض الدنيا كيف ما كان.
وهذه الآيات هي واضحه الدلالة لا تحتاج إلى تفسيرٍ أو تأويل ولم تُنسخ، تدل على أزمنة وعصور مختلفة التي عاش فيها الأنبياء لكن أساسها ثابت هو عدم أخذ أجر على الدعوة إلى الله أبدا.
وقد بين الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين من قبله وأمره بإتباعه وهو أن يدعو إلى الله كما دعا إخوانه من الأنبياء من قبله و ألا يأخذ أجرا على دعوته إلى الله.. وأن لا يسأل الناس أجرا عليها كما جاء في قوله تعالى ﴿أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا ان هو إلا ذكرى للعالمين ﴾ سورة الأنعام الآية 90.
فهذا هو منهج الأنبياء من قبله في الدعوة إلى الله، وهذه الآيات القرآنية التي جاءت على لسان رسول الله تبين هذه الحقيقة وهي أن الدعوة إلى الله مجانية وتطوعية وإلزامية في بعض الحالات.....
ونذكر من هذه الآيات قوله عز وجل﴿ كذبت قوم نوح المرسلين إذا قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون ﴾ الشعراء من الآية 105 إلى الآية 110.
وقوله تعالى ﴿ إذا قال لهم أخوهم هود ألا تتقون أني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على ربي العالمين ﴾ الآية 124 إلى الآية 127 سورة الشعراء.
وقوله تعالى ﴿ إذا قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ الآية 142 الى الآية 145 سورة الشعراء.
وقوله تعالى ﴿ إذا قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾الاية161 الى الآية 164 سورة الشعراء.
قال الله تعالى ﴿ كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذا قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ﴾ الآية 176 الى الآية 180 سورة الشعراء
قال الله تعالى ﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا أنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوم تجهلون ﴾ الآية 29 سورة هود.
قال الله ﴿ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن اجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ﴾ سورة هود الآية 51.
قال الله ﴿ قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ الاية 57 سورة الفرقان.
قال الله ﴿ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ﴾ الآية 23 سورة الشورى.
قال الله ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا وما أنا من المتكلفين ﴾ الاية 86 سورة ص.
وأختم الآيات بهذه الآية الجامعة والكافية التي بدأت بها تبين لكل من أراد أن يكون داعيا إلى الله فعليه بإتباع منهج من كان قبله من الدعاة وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فهذا هو المنهج قال الله ﴿ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكر للعالمين ﴾الاية 90 سوره الانعام.
ومن هذه النصوص نستخلص أن الداعي إذا أخذ أجرا فإنه يعتبر مخالفا لمنهج الأنبياء.. ولنصوص القرآنية التي سبق ذكرها..
ومن القواعد الأصولية ”لا اجتهاد مع النص “ وخصوصا إن كان هذا النص القرآني كما ذكرت من قبل واضح الدلالة فلا يؤخذ بغيره حتى ولو كان سنة، فالأحرى أن يترك قول غيرهم من القائلين.. فأنا أتحدث عن الدعوة ولا أتحدث عن الرقية الشرعية لكي لا يقع الخلط بين الرقية الشرعية التي أهلها هم أهل الصلاح والتقوى.. الذين لا يشترطون ولا يخالفون أمر الله ورسوله في رقياهم.. والرقية هي ليست من الدعوة بل هي علاج واستطباب وطلب الشفاء بسببها.. يجوز أخذ الأجر عليها.
فالدعوة إلى الله تشمل بصفه عامة الدعوة إلى التوحيد و إلى الإسلام و الإيمان و إلى الإحسان و مكارم الأخلاق وإلى حسن الخلق و حسن المعاملة وإلى كل خير بصفة عامة فهي دعوة عامة..
جميع الرسل دعوا إلى الله بدون مقابل..
وإنما كانوا يقولون: إنما أجرنا على الله، فلو شاء الله أن يأخذ أحد عن دعوة أجرا ..
لرخصه لرسوله لأنهم هم أحق الناس بأخذ الأجر عن الدعوة كما رخص لهم أخذ غنائم الحرب.. لأنهم هم المصدر الأول الذي نبعث منه الدعوة إلى الله بعدما كان الناس يعيشون في جهل وضلال وكفر وشرك أليس كذلك..!؟
والسبب أن الله عز وجل لم يرد أن يجعل دعوته إلى عباده أساسها مقابل مادي يأخذه كل رسول مقابل دعوته الناس إلى الاسلام والإيمان.
فالدعوة إلى الله هي أشرف المهن على وجه الأرض إطلاقا والداعية هو أحسن الناس وأكرمهم وأفضلوهم منزلة بعد الأنبياء والرسل والصحابة.. إذا كان يدعو إلى الله بنيه صادقة ويرجو الأجر من الله وليس من الناس لأنه يعلم علم اليقين أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
وفي الختام أقول: لم يخلو عصر من العصور من تجار الدين وهم وأشر الناس كسبا وأبشعوهم أكلا للسحت لأنهم جعلوا دعوتهم إلى الله هي بضاعتهم إتخذها مهنة وسبيلا لكسب الأموال .. وهم يعلمون أن الكسب من الدعوة إلى الله هو حرام.. وقال بعض العلماء " إن الإنسان الذي يسترزق بالدين ويؤخد أجرا مقابل ذلك ( سوءا مباشرة أو في وسائل الإعلام.. ) فهذا من أخبت أنواع الكسب وأشره لأن هذا الإنسان يكتسب بدينه.. لذلك كسب الباغية التي تكسب بفرجها خير من المكسب الذي يكسب بدينه، لهذا يجب أن يحذر الناس من ذلك حذرا شديدا ..."
فالدعاة إلى الله عليهم أن يعلموا علم اليقين أن بينهم وبين الله عز وجل ميثاق وعهد غليظ أن لا يأخذ أجرا على دعوتهم، فهذا عهد الله وميثاقه لكل الانبياء بدون استثناء .. وكذلك لكل داعية يدعو إلى الله بصفه عامة.. ويكفيه شرفا أنه أضيف بعمله هذا إلى الله لأنه يقال : فلان داعية إلى الله .
بقلم: الشاعر والكاتب والباحث والناقد أحمد أحبيز