إن إخراج الناس من ديارهم وأرضهم ومساكنهم.. ظلماً وعدوناً.. يعتبر من أبشع أنواع الظلم والعدوان والحقد والكراهية.. لهذا الله عز وجل ذكر هذا الأمر في القرآن الكريم وحذر منه لعظم إثمهِ وجرمهِ .. وسوء حال فاعله في الأخرة . فعلى جميع البشر أن يدرك هذه الحقيقة أن اخراج الناس بالباطل من ديارهم وأرضهم فعل اجرمي كبير .. ومن قال أنا أو نحن أولوا قوةٍ أولوا بأسٍ شديد وقادرون على إخراج الناس من ديارهم وأرضهم بالقوة وبالسلاح.. فإن الله قادر على أن يجعل قوة الأقوياء كالهباء المنتور في أي ساعة من الليل أو النهار .. قال الله عز جل ﴿ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ . فمن ظن أنه قادر على شيء... فيعلم بأن الله قادر عليه وعلى ما يظن أنه هو سبب قوته وسلطانه.. وليعتبر بمن كان قبله وهم كثر .. كما أخبرنا القرآن بذلك ﴿ قالوا نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد ﴾ . لكنهم ذكروا فتذكروا فأسلموا بعد أن علموا أن قوتهم لن تغني عنهم شيئاً.. إذَا ووقفوا ضد دين الله ولم يسلموا ، لهذا فكل هذه الأشياء.. التي يرى كل مغرور في العالم أنها هي قوته وسلطانه على الضعفاء في العالم ويدعي أنه وصل إلى ما وصل إليه بعلمه ويتجاهل أن كل العلم هو لله كما قال من قال من كان قبله ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ فلن تغني عنه شيءً.. ولن تعصمهُ من أمر الله إذا نزل به ليلاً أو نهاراً.. من حيت لا يحتسب بكل بساطة وبدون سلاح ولا جيش ولا قنابل .. قال الله تعالى ﴿ فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ﴾ ولا يستطيع أحد الوقوف في وجه عقاب الله مهما كانت قوته وسلطته ومعداته ونفوده في العالم، و هذا ما هو إلا جزء بسيط من عقاب الله ، فالله عز وجل لو شاء لجعل عالي دولة بأكملها سافلها كما فعل بقرية قوم لوط عليه السلام وإن هذا الأمر على الله ليسير كما أخبر بذلك في قوله ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ، وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ ولكن الشيطان منع الإنسان من التذكر والتفكر بقلبه وعقله لأنه يقول لظالمين والمجرمين في أنفسهم في كل زمان ومكان.. منذ أن خلق الله أدم عليه السلام إلى قيام الساعة، كما أخبرنا في قوله تعالى ﴿ وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَومَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جارٌ لَكُم فَلَمّا تَراءَتِ الفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيهِ وَقالَ إِنّي بَريءٌ مِنكُم إِنّي أَرى ما لا تَرَونَ إِنّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَديدُ العِقابِ ﴾ فالشيطان يزين دائماً للظالمين والمجرمين أقوالهم وأفعالهم وبأنهم اقوى الناس وبأنهم هم الغالبون.. فيزيدهم بوسوسته غروراً فوق غرورهم، فيصرون ينظرون إلى الناس أنهم تحت أقدامهم.. لكن عندما يأتيهم أمر الله أو سكرات الموت يعلمون أنهم كانوا ظالمين ومجرمين.. وهذا ما بينه الله عز وجل في قوله ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار ﴾ الله يمهل الظالمين في الحياة الدنيا القصيرة جداً ليخلد في نار جهنم ابداً وليس له عذر عند الله.
وخصوصاً إذا كان هذا الاخراج ظلما وعدونا.. بلا حق وبلا ذنب... فقد شبهه الله تعالى إخراج الناس من ديارهم بقتل النفس الذي يعتبر كبيرة من الكبائر.. الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم « لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ». فالإخراج من الديار مصيبة عظيمة والخروج قهراً هو أمر صعب على الإنسان.. كما جاء في قوله عز وجل ﴿ وَلَو أَنَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنهُم ﴾
ولابد أن أذكر أن الإخراج من الديار نوعان لا ثالث لهما:
1- الإخراج من الديار و الأرض بالحق والعدل
2- الإخراج من الديار والأرض بظلم والعدوان
فالأول اخراجٌ محمودٌ لأن أساسه العدل والحق.. فهو وفق حكم الله ورسوله وفي مصلحة الإسلام وللمسلمين وقد أخراج النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع من المدينة المنورة إلى بلاد الشام ، كما أخرج يهود بني النظير إلى خيبر وإلى الشام بسب خيانتهم معاهدة أَمْنٍ وتعاون فصاروا يشكلون خطراً على الإسلام وعلى المسلمين فكان إخراجهم هو الحكم الشرعي لكي يأمن المسلمين على ظهورهم من فتنتهم وشرهم.
أما الإخراج من الديار ظلما وعدونا وجبراً وقهراً.. بغير حق فهذا الإخراج مدموم شرعاً ويعتبره الشرع عدوناً واجراماً وكبيرةٌ من الكبائر... في حق الإنسان كيفما كان أصله ودينه.. إذا كان مسالماً غير محارب.. أما إذا كان هذا الإنسان مسلماً فإن هذا الإخراج من الديار يعد حرباً على المسلمين وعلى الإسلام وعلى الله ورسوله... لأن الدين عند الله الإسلام، وهو أشد أنواع الإخراج إذا كان بسبب الدين.. وهذا الإخراج من الديار ظلماً وعدوناً قد يكون ضد الأفراد أو الجماعات أو القبائل أو الشعوب... وكلما زاد عدد المخرجين كلما زادتْ شدتهُ.. أما اخراج شعب من ارضه ودياره ووطنه وطرده خارج حدد بلده فهذا عدوان كبير واجرام عظيم.. وحرب معلنة ضد دين هذا الشعب .. لأن الدين كان ولازال هو أول سببٍ من أسباب الإخراج للأفراد والجماعات.. والدافع الأول من دوافع الإنتقام.. وقد أخرج ابراهيم عليه الصلاة والسلام وأخرج محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء.
لهذا لا دعي أن يتعجب المتعجب من الدوافع وراء إخراج الناس من ديارهم وأرضهم... وتهجيرهم و ترحليهم .. لأن دينهم ( الإسلام) هو السبب الرئيسي في إخراجهم.