mercredi 4 juin 2025

عبدالفتاح الطياري

الرجل الدمية 
الفصل الأول: خيط في يد الأم
كان سمير لا يزال في الخامسة عشرة من عمره حين فهم أن الحب عند أمه يعني "التحكم". لم تكن والدته، أمينة، امرأة عادية. كانت صارمة، دقيقة، لا تسمح بالخطأ، ولا تؤمن بالصدف. كانت تصنع كل شيء في حياتها بيديها، حتى ابنها.
كل صباح، كانت توقظه بصوتها الحاد، ليس لأنه تأخر، بل لأن "الرجل لا ينام كثيرًا". تحدد له ملابسه، واجباته، وحتى أصدقاءه. وكان سمير يطيعها كأنها القانون.
والده، جمال، كان حاضرًا بجسده، غائبًا بروحه. رجل بلا اعتراض، بلا صوت، يشرب قهوته بصمت ويختفي في صفحات الجرائد. لم يكن له موقف في تربية سمير، وكان إذا تحدث، ينتهي الأمر بجملة أمه الصارخة: أنا أعرف مصلحة ابني أكثر منك!
كبر سمير على هذا النمط، تلميذًا مثاليًا، لا يعترض، لا يسأل. كل ما يريده أن يرى الرضا في عيني والدته. لكنه لم يفهم لماذا شعر دائمًا بأنه يرتدي ثوبًا ضيقًا، يخنقه... لكنه لا يجرؤ على خلعه.
في أحد الأيام، حين كان في السنة الأولى ثانوي، التفتت إليه صديقة جديدة في المدرسة وقالت بابتسامة جريئة: أنت تعرف أن تصرفك يشبه تصرف البنات؟
ضربت الجملة قلبه كصفعة، لكنه ضحك بخجل، ثم عاد إلى صمته.
ما لم يعرفه، أن تلك الجملة كانت أول شرارة... بداية تمرده.
يتبع 
بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس