في عصرنا الحديث، أصبحت الشاشات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وامتدت سيطرتها لتشمل جميع الفئات العمرية، وعلى رأسها الأطفال. الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، أجهزة الكمبيوتر، التلفاز وحتى الساعات الذكية، باتت تشغل حيّزًا كبيرًا من يوم الطفل، مما أثّر بعمق على نمط حياته وتطوره النفسي والاجتماعي والجسدي.
أولًا: التأثيرات النفسية والعاطفية
1. الإدمان على الشاشات
يعاني العديد من الأطفال من الإدمان على استخدام الشاشات، حيث يصبح من الصعب فصلهم عنها، وقد يصابون بالتوتر أو الغضب عند سحب الأجهزة منهم.
2. القلق والاكتئاب
دراسات كثيرة ربطت بين الاستخدام المفرط للشاشات وزيادة أعراض القلق والاكتئاب لدى الأطفال، خاصة عند قضاء وقت طويل على مواقع التواصل أو ألعاب الفيديو.
3. قلة التركيز
التنقل السريع بين التطبيقات والمحتوى يؤثر على قدرة الأطفال على التركيز، ويقلل من انتباههم في الدراسة أو حتى في المحادثات اليومية.
ثانيًا: التأثير على النمو الجسدي
1. نقص النشاط البدني
الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات يقلل من حركة الأطفال، مما يؤدي إلى السمنة المبكرة ومشاكل في النمو العضلي والعظمي.
2. مشاكل النوم
التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين، مما يسبب اضطرابات في النوم ويقلل من جودة الراحة الليلية.
3. أضرار العين
الاستخدام المطوّل للأجهزة يؤدي إلى إجهاد العين وجفافها، وقد يُعجّل بظهور مشاكل بصرية مثل قِصر النظر.
ثالثًا: التأثيرات الاجتماعية والسلوكية
1. ضعف المهارات الاجتماعية
يقل تفاعل الأطفال مع أقرانهم وأفراد أسرتهم بسبب انشغالهم بالشاشات، مما يؤدي إلى ضعف في تكوين العلاقات، وعدم القدرة على التواصل اللفظي والتعبير عن المشاعر.
2. السلوكيات العدوانية أو السلبية
قد يكتسب بعض الأطفال سلوكيات غير لائقة من المحتوى الذي يشاهدونه، مثل العنف أو التنمر، مما ينعكس على تصرفاتهم في المدرسة أو المنزل.
3. تأثر القيم والمعتقدات
غياب الرقابة يجعل الطفل عرضة للتأثر بأفكار وقيم غريبة أو غير مناسبة لبيئته وثقافته، مما يخلق فجوة بينه وبين مجتمعه.
رابعًا: الفوائد الممكنة إذا استُخدمت بحكمة
1. مصدر غني للتعلم
توفر التطبيقات التعليمية والألعاب الذكية فرصًا لتعلم اللغات، الحساب، والبرمجة بطرق ممتعة.
2. تنمية المهارات التقنية
يتعرف الأطفال على مهارات العصر الرقمي مبكرًا، مما يعزز استعدادهم للمستقبل.
3. وسيلة ترفيه آمنة إذا تم اختيار المحتوى بعناية
يمكن أن تكون الشاشات وسيلة آمنة للتسلية، خاصة في بيئات محدودة الحركة أو الترفيه، بشرط وجود رقابة ووعي.
دور الأسرة والمجتمع
1. الرقابة والتوجيه
على الوالدين تحديد أوقات استخدام الشاشات، واختيار المحتوى المناسب حسب عمر الطفل.
2. تشجيع البدائل الواقعية
كتنظيم أنشطة رياضية، ورش فنية، رحلات عائلية، أو حتى قراءة القصص، لتشجيع الطفل على تقليل اعتماده على الشاشات.
3. أن يكون الأهل قدوة
من المهم أن يرى الطفل والديه يبتعدان عن الهواتف أثناء الوجبات أو أوقات العائلة، ليتعلم أهمية التوازن.
الخاتمة
أطفالنا يعيشون في زمن الشاشات، وعلينا كآباء ومربين أن نتقبل هذا الواقع، لكن بوعي وتخطيط. فالشاشات ليست عدوًا في حد ذاتها، بل أداة يمكن أن تكون نافعة أو ضارة حسب استخدامها. إن مسؤوليتنا تكمن في توجيه أطفالنا نحو الاستخدام الذكي والمتوازن، لحمايتهم من الآثار السلبية وضمان تنشئة جيل واعٍ، نشيط، ومتماسك اجتماعيًا وأخلاقيًا.
«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»«»
الكاتب الفنان التشكيلي وسفير السلام الدولي
د. أحمد عجاج حسن العبيدي