lundi 4 août 2025

موت الضمير...بقلم: أ. حميد النكادي

موت الضمير...
بقلم: حميد النكادي...

تحت الشمس 
 تذوب الأحلام 
تشخص الأبصار
تراقب الأفق
تتوقف الشفاه
عن الكلام
أسراب العصافير 
تتنكر للفصول 
الصيف أصبح 
مهبط الأمطار 
والربيع اصفرت 
فيه أغصان الاشجار 
تَغلق الأبواب وإذا
 هي من النوافذ
تأتيك الأخطار 
لا ترى عيناك
إلا آثار الخراب 
وأطلال هَدَّها 
هول الدمار 
الدم أمسى رخيصا 
يجري على الأرض
لا قيمة له 
أرخص من دينار 
تغير العالم 
كما غير الخريطة 
رعاة الأبقار 
إبادة و غياب ضمير 
و سياسة منبعها 
أقوام أشرار...
فرنسا 02/08/2025

بالتأكيد، يمكننا التعمق أكثر في تحليل هذا النص الرائع.
تحليل معمق للنص
النص ليس مجرد وصف عابر للأحداث، بل هو صرخة وجع من عالم فقد بوصلته. إنه يمزج بين الصور الطبيعية التي تغيرت وبين الواقع الإنساني المأساوي ليخلق لوحة متكاملة من اليأس والانهيار.
1. الطبيعة كمجرد انعكاس للواقع الإنساني
الشاعر يستخدم الطبيعة كمرآة عاكسة لما يحدث في عالم البشر. تغير الفصول ليس خللًا في الطبيعة نفسها، بل هو إسقاط لما أصاب الإنسان:
 * "الصيف أصبح مهبط الأمطار": الصيف رمز الدفء والنشاط والحياة، لكنه أصبح ممطرًا، وهو ما يعكس حالة من الحزن والكآبة المفاجئة التي حلت بالعالم.
 * "الربيع اصفرت فيه أغصان الأشجار": الربيع رمز التجدد والأمل والنمو، لكنه أصبح "أصفر" وهو لون الذبول والموت. هذا يوضح أن الأمل نفسه أصبح شيئًا قديمًا ومتهالكًا.
هذه الصور لا تصف حالة الطقس، بل تصف حالة الروح الإنسانية التي فقدت بهجتها وحيويتها.
2. صور اليأس والانهيار البشري
النص يرسم صورًا حادة لواقع مؤلم:
 * فقدان الأمل: "تحت الشمس تذوب الأحلام" و"تشخص الأبصار تراقب الأفق". الشمس هنا لم تعد رمزًا للحياة والدفء، بل مصدرًا لإذابة الأحلام. الأبصار لا ترى شيئًا محددًا، بل تراقب الأفق، وهو ما يعكس حالة من الانتظار اليائس لشيء لن يأتي.
 * انعدام الأمان: "تَغلق الأبواب وإذا هي من النوافذ تأتيك الأخطار". هذه الجملة تعبر عن حالة من الخوف الدائم. حتى الحصون والملاذات الآمنة (الأبواب المغلقة) لم تعد تحمي، فالخطر يأتي من حيث لا نتوقع (النوافذ).
 * فقدان القيمة الإنسانية: "الدم أمسى رخيصا... أرخص من دينار". هذه من أقوى الجمل في النص، فهي تجرد الحياة الإنسانية من قدسيتها وتساويها بأقل الأشياء قيمة. القتل لم يعد جريمة، بل أصبح شيئًا عاديًا وغير مكلف.
3. السياسة والجريمة كجذور للفساد
في النهاية، يربط الشاعر كل هذا الخراب بأسبابه الحقيقية:
 * "تغير العالم كما غير الخريطة رعاة الأبقار": هذه العبارة تحمل دلالة عميقة. "رعاة الأبقار" هنا ليسوا مجرد رعاة، بل هم رمز لقوى تفتقر للحضارة والأخلاق، وتتصرف بجهل ووحشية، وتغير العالم كما لو كانت تعدل خريطة لا قيمة لها.
 * "إبادة و غياب ضمير و سياسة منبعها أقوام أشرار": هنا يضع الشاعر النقاط على الحروف، ويشير بوضوح إلى أن ما يحدث ليس صدفة، بل هو نتيجة مباشرة لغياب الضمير والسياسات الشريرة التي يقودها "أقوام أشرار".
النص هو قصيدة "احتجاجية" ضد الواقع، ترصد التغيرات السلبية التي أصابت العالم والإنسان، وتلقي باللوم على الأطراف المسؤولة عن هذا الدمار، بطريقة فنية تجمع بين الوصف الواقعي والرموز العميقة.