mardi 26 août 2025

بقلم عبير ال عبد الله

في عالمي،
يُهدى الرصاصُ لمن يقول الحق،
وتُقطع اليدان إن صافحت الصدق،
في عالمي،
تُباع الأرضُ كما تُباع السلع،
وتُقسَّم الأوطانُ كما تُقسَّم الموائد،
وأنا… بلا بيت، بلا ظل، بلا وطن.

في عالمي،
الشيطانُ يلبس البياض،
يتوشّح برداء القداسة،
يطعن الملاكَ في خاصرته،
ثم يبكي بدموعٍ مزيفة،
فيُصفّق له القطيعُ كأنه مخلّص.

في عالمي،
اعتلى الجاهلُ منبرًا،
والعالمُ دُفن تحت الأنقاض،
صار الذي يقرأ مجنونًا،
ومن يحترمُ جبانًا،
والجاهلُ يبارزُ صولات الكلام.

في عالمي،
الأرضُ تصرخُ تحت أقدام الغزاة،
والسماءُ تغطي وجهها خجلاً،
والبحرُ يلفظ أمواجَه على الشواطئ
كأنه يريد أن يغسل خطايانا،
لكن الدماءَ أكثر من أن تغتسل،
والألمَ أعمقُ من أن يزول.

في عالمي،
يباع كل شيء:
الكرامةُ تُوزن بالذهب،
والوطنُ يُعرض في المزاد،
والأحلامُ تُكسر كأنها زجاجٌ رخيص،
حتى القلوبُ صارت تجارة،
يشتريها من يدفع أكثر.

في عالمي،
أُعدم الشعراءُ لأنهم غنّوا للحرية،
أُحرقت الكتبُ لأنها قالت الحقيقة،
كُسرت الأقلامُ لأن مدادها
كان أثقل من الرصاص.
فلم يبقَ إلا صدى يصرخ في الفراغ:
"أين أنتم أيها البشر؟"

في عالمي،
طفلةٌ تنام على الرصيف،
تحلم بقطعة خبز،
بعينٍ ترى،
بحضنٍ لا يخون.
وعجوزٌ يمد يديه للسماء
يسأل:
هل العمرُ الطويلُ عقابٌ
أم مكافأة؟

وأخٌ عليلٌ
يبكي شوقًا لأخيه الغائب،
يمد يديه نحو السراب،
يرى صورته في الغيوم،
ويتوسّد الحنين
حتى يغفو على دموعه.

في عالمي،
مدنٌ كاملةٌ تموتُ بصمت،
شوارعُ مهجورة،
أبوابٌ مغلقة،
وجوهٌ تبحث عن وجوهٍ فلا تجد.
في عالمي،
الموتُ يمرّ كأنه جارٌ قديم،
يطرقُ بابًا كل يوم،
ولا يعود خالي اليدين.

في عالمي،
لم تعد الذئابُ وحشية،
فالوحشُ لبسَ ملامحَ الإنسان.
الذئبُ يقتل ليعيش،
لكن الإنسانَ يقتلُ ليترف،
يُسقِط أخاه في الهاوية
ليصعد فوق أنينه،
ثم يدّعي الطهارة.

في عالمي،
الصمتُ لغةٌ،
والدموعُ حبرٌ،
والقبرُ أهونُ من الحياة.

لكنني… رغم كل شيء،
أحمل بين أضلعي جمرةً صغيرة،
تقاوم الريحَ والرماد،
تهمس لي:
"لن يبقى الليلُ للأبد،
فمن الدم يولد فجر،
ومن الخراب تخرج صرخة،
ومن الحزن تُشعل الثورة."

فأصرخ…
أصرخ حتى تنكسر الجدران:
كفى موتًا!
كفى خيانة!
كفى صمتًا يقتلنا أكثر من الرصاص!

أصرخ…
فتختلط ثورتي بدموعي،
وتتوهّج النارُ بالحزن،
كأن العالم كلّه يحترق في صدري.

وفي النهاية،
يبقى عالمي جرحًا مفتوحًا،
وصوتًا مبحوحًا،
وثورةً تُولد باكيةً،
لكنها — مهما طال الليل —
ستأتي…
ستأتي.
بقلمي عبير ال عبد الله 🇮🇶