mardi 9 septembre 2025

🖊 الكاتب طاهر عرابي

"العشيقة في قاع الفنجان"

العشق مملكة بلا ملك،
حيث نصف القلب يرحل بحثًا عن نصفه الآخر،
والغياب أحيانًا هو الطريق إلى معرفة الحضور،
والفنجان كثيرًا ما يكشف ما يعجز عنه العقل.
من لم يعشق لن يدرك مملكته، والسعادة تبقى حمامةً عوراء، تبحث عن حبات القمح
بمنقار لا يتجاوز الحلم.


العشيقة في قاع الفنجان

قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – 07.04.2025 | نُقّحت 09.09.2025

سأستدلّ عليكِ من نبض قلبي،
ومن ارتداد العيون إلى محاجرها،
حين يفيض بهاؤك
في قاع الروح الحان.

أعرف لون بشرتك،
ضحكتك، ومكانك،
حين يطول الليل
ويختصر النهار.

ربما أكون نصف عاشق،
أبحث عن نصف آخر،
لأصير عاشقًا مثل جبلٍ
يجمع كهوفه،
ويحمل صدق الهواء.

سأتنفس من مسامات وجهي،
وأترك الأنف لعطرها،
وأشعر كيف يتحدى العشق
فيزياء الورد،
ويصنع كيمياء الود بين قلوبنا.

جاءتني الجارة تسأل:

أين اختفت عشيقتك؟
ألست نصف عاشق،
ونصفك الآخر يطلّ عليك
من بين أكمام زهر الرمان؟

كانت قلقةً،
تتمنى أن تصبح السنة شهرًا،
والشهر يومًا ممتدًا بلا نهاية،
ولو اضطرت أن تكسر الساعة
كي يتمدّد الوقت.

شربتُ معها القهوة،
وحدّثتُها عن فرار عشيقتي
من مخيلتي،
ونسيتُ: لماذا تهرب العشيقة بلا سبب؟

قالت لي:
لا تبحث في أصاصيص الورد،
ولا على أطراف أكواز الرمان.
العاشق يحمل الدنيا في عينيه،
ولا يخشى التيه.
الغفران لا يولد إلا من الغضب،
فكيف تضيعها وأنت مولع ولهان؟

ثم التفتت موبّخة:
“أنت التائه، يا جاري الأبله!
أما هي، فأراها في قاع الفنجان:
تترنم، تضحك،
تسرّح شعرها،
وتغازل عندليبًا ينتظر فستقها وأمانها.

سآخذ الفنجان معي،
كي لا تعرف مني أين عشيقتك،
فتندم
وتُهان.”

العاشق يشمّ الخطى،
ولا ينتظر من يدله،
كأنه حملٌ يرضع الأمان.

تركتني كلماتها حزينًا،
مثل مجرى نهر
يناشد سحابًا
ولا يمطر،
والورد على الضفاف
يغني أنشودة الجفاف.

فكيف دعوتُها للقهوة،
حتى صار نصفي غائب،
ونصفي الآخر مذنب؟

صرختُ: ابقي هنا يا جارتي!
زلزالٌ يهزّني،
أتأرجح مثل غصنٍ فارغٍ حيران،
لم يرَ ثمرًا،
ولا وعدًا من الشجرة.

قلت: عشيقتي خرجت،
وتركت نصف الباب مفتوحًا،
وشباكًا يطلّ على نهاري.

ألا ترينهم بالفنجان؟
قالت:
“نصف الباب لا يدلّ على الدروب،
فتش عن خفّة خطواتها،
ولا تعد إلا وهي معك،
حتى ولو تأخر المغيب.”

خرجت أركض، أردد:
“أنا أبله… والعشيقة ضائعة،
شاهدتها في قاع الفنجان.”

فرت الطيور من حولي،
وخرجت الأفاعي تفحّ وتقطع الطريق.
تمدد القنفذ على طول بطنه،
وهمس: ستتعذب مثلّي
لبست ثوب الشوك،
ونسيت العشق.

ولا شيء في قاع الفنجان سوى الوهم.
هل تعشق الوهم؟
النكبة أن تكون مظلومًا من الكذب.

صرخت:
لو تعلمون أن في القلب غابة لكم،
وسيدة الغابة عشيقتي،
لخرستم.
سأشكو كل من رآني ضعيفًا
وتهكم.

نادوني وهم يلوّحون بفناجين القهوة:
لقد خبّأتها الجارة، وأنت لا تعلم.
وضعت صورتها في الفنجان،
وتركتك للتيه حتى الجنون.

عشيقتي واقفة في قاع الفنجان،
وأنا أقف بالقرب من الغفران.
لم أقترف ذنبًا،
والكل يشهد أني مذنب،
ولا يملك واحد منهم عاشقة.

متى يدركون أن العشق مملكة
ليس بها ملكٌ ولا حاجب؟
سأخسر مملكتي إن عدتُ خائبًا،
وأنا العاشق
الذي خرج
ليخرج البهجة من الفنجان.

طاهر عرابي – دريسدن