samedi 6 septembre 2025

بقلم د. عوض احمد العلقمي

إلى الأحبة تشد الرحال

بقلم د. عوض احمد العلقمي

   انطلقت صباح هذا اليوم الخميس 4 سبتمبر الموافق 12 ربيع الأول 1447 للهجرة ، وهو أفضل أيام الله ؛ إذ ولد فيه الرسول الأعظم ، كان الجو جميلا ينفح بنكهات روحانية عطرة ، كأنها من عبق سيدنا محمد ، مررت بسوق العند الذي يسمى العشاش ، وإذا بالقوم في ذلك السوق عليهم آيات من البؤس والأسى ، ترسم وضعا مأساويا لأمة جثت أمام أقدام عدوها ، واستعرضت العضلات على بعضها ، تخلت عن دينها وروافد عزها وكرامتها ، الأمر الذي جعلها لقمة سائغة للأعداء ، في هذه الأثناء استبق المركبة بضعة شخوص من رجال تنظيم السير ، على رؤسهم قبعات تشي بزمن قد رحل ، وتنذر أشكالهم بأنهم مجانين ، سألت ابني أحمد الذي كان يقود بي المركبة ، لماذا أشكال هؤلاء هكذا مشيرا إليهم بسبابتي ؟ ضحك أحمد ثم قال : يبدو أنك يا أبي لم تمر في هذا الخط طوال العشرية السوداء .   
   تناولت وجبة الغداء في وادي بله ، الذي تزينه المياه الجارية ، والبرك التي تفيض كل واحدة منها في الآخرى ، فضلا عن أشجار السمر الخضراء التي بدت متزينة بذلك اللون الأخضر الجميل ، وكأنها تشاركنا الاحتفاء بمولد سيد الخلق ، ظلت أشجار السمر ترافقنا في هذه الرحلة ، وكأنها تقول أنا مذ ولدت وأنا رفيقة الفقراء ، وصديقة البسطاء ، فقد مثلت لهم الزاد عند قحط السنين ، وكنت لهم الظل الظليل في كل المواسم والفصول ، وفي أحايين كثيرة أكون السكن للمهمشين ، في أثناء السير وجدت جماعات من الفتية يقفون على مطبات تخفيف السرعة ، وبيدهم شجيرات صغيرة خضراء تشبه أصابع اليد ، ومع أنني أعرف هذه الأشجار جيدا ؛ لأنها تزرع في مسقط رأسي إلا أنني سألت أحدهم من باب الفضول ، ما اسم هذه الأشجار يا بني ؟ أجاب : اسمها مروز ، وبكم تبيعها يا بني ؟ قال : أبيع الواحدة منها بثلاثة آلاف ، قلت : وما فائدتها يا بني ؟ قال : إنها دواء للكثير من أمراض المعدة .
   واصلنا السير على ذلك الخط المحاط بأشجار السمر ، وإذا بجماعة أخرى من الفتية يحملون قنينات المياه الفارغة وقد ملئت بجزيئات صغيرة ، دائرية الشكل ، بنية اللون ، سألت أحدهم : ماهذا الذي في القنينات يا بني ؟ قال هذه فاكهة القوم المفضلة في هذه البلدة ومنتجها الوفير ، قلت : بكم تبيع القنينة منها ؟ قال : بعشرين ألفا ، عند ذلك نظرت نحو ابني أحمد ، وإذا به يضحك ، قلت : ما الذي يضحكك يابني ؟ قال : إن تلك المادة التي في القنينة إنما يستخرجونها من ثمار أشجار السدر ، الذي يسمونه في هذه البلدة الدوم ، ويسمونها فراصيص .
   وعند الثانية ظهرا دخلنا جبال الشعيب ، تلك الجبال الصفراء الجميلة ، التي تحاكي في جمالها جمال الساكنين ، وطيبة قلوبهم ، وعظمة كرمهم ، فضلا عن حبهم للضيف واحتفائهم بمقدمه ، لم تمض ساعة من الزمن إلا ونحن على عتبة منزل ذلك الرجل الحاتمي ، الشامخ كشموخ تلك الجبال العالية التي تصافح السحاب شموخا وأنفة ، استقبلنا أحد الشباب المخلقين في سوق العوابل ، ثم طلب منا الانتظار حتى يبلغ الشيخ محسن بمقدمنا ـ الذي هو بيت قصيد هذه الرحلة ، ووجهة هذه الزيارة ـ ماهي إلا لحظات وإذا بالشيخ يطل علينا كالبدر في تمامه ، مبتسما مبتهجا مرحبا بنا ، اصطحبنا إلى مجلسه المؤقر ، الذي تهابه عند الدخول ؛ إذ يسمح للبصر أن يسرح ويمرح في طوله وارتفاعه ، ألقينا التحية على تلك الكوكبة من الشيوخ والمثقفين في ذلك المجلس المؤقر ، عرف بنا الشيخ ثم أدنانا منه وأجلسنا ، قدم لنا طقوس الضيافة الحاتمية ، ونزل الضيافة في عرف العرب ، تبادلنا أطراف الحديث معه والحاضرين ، سألني ، لماذا قطعتم هذه المسافة وكلفتم أنفسكم عناء السفر ؟ قلت : إنما إلى الأحبة تشد الرحال . كان يوما رائعا بما تعنيه الكلمة ، سوف يسجل في أنصع صفحات زيارة الكرام ولقاء الأحبة .