كان من الممكن أن أعيش حياتي كلها حتى الممات بلا زواج، لولا تعليقات الناس بأنه قد يفوتني القطار.. وقد أعرضت ورفضت كل دعوة للزواج طوال هذه الفترة بسبب مرافقتي لأمي في فترة صراعها مع المرض، وتفرغت لها تمامًا. وظللت هكذا لا يشغلني الأمر الذي يشغل بال أي فتاة في أن تتزوج ويكون لها مملكتها الخاصة مع زوجها وأولادها و... إلخ.
وهناك من تحدث معي ونصحني ألّا أحكم إغلاق الباب على أمر زواجي، فربما أجد من يقبل ظروفي ولا يعترض على رعايتي لأمي بحيث لا يؤثر ذلك على القيام بدوري نحوه، وذلك حتى أكف عني تعليقات الناس التي لا تنتهي..!
لا أخفي عليكم أنني تظاهرت بالرضا بهذه النصيحة، وذلك لأن الظروف التي أعيشها قد أورثتني العزوف عن الحياة تمامًا، فضلًا عن أن هذه النصيحة قد جاءت في وقت بلغ بي الأمر فيه حتى شعرت كأنني ألقيت بحجارة على مياه قلبي الراكد وأترقب منها أن تتحرك وتنهض من ركودها وتنقلب على طبيعتها بأمواج متلاحقة كما تفعل بقية مياه البحار.
الحديث عن أمر زواجي يسبب لي القلق البالغ والحزن، وأيضًا المزيد من الحيرة، ولا أنسى أن أمي كانت تتمنى أن تراني في بيت الزوجية قبل مماتها.
وما هي إلا بضعة أيام حتى رحلت عنا، فقد أبكاني ذلك بكاء بلا انقطاع، وكنت أهذي بكلمات ولا أدري ماذا أقول وما قلت، فضلًا عن نوبات الغياب عن الوعي. كلما قمت منها تذكرت رحيلها وتعجبت أنها لم تأخذني معها، وقد كنا لا نفترق عن بعض في أي وقت من الليل أو النهار.
وبعد بضعة أشهر، تقدم أحد الشباب وأعلن عن رغبته الجادة في الزواج مني. وعلمت فيما بعد أنه كان يتابع أمري باهتمام بالغ، والمعاناة التي قاسيتُ منها، وأعجبه شدة صبري وقوة تحملي لمواجهة الظروف الصعبة.. وأنه ظل طوال حياته يبحث عن الفتاة المناسبة للزواج وتعثر كثيرًا في أن يجدها.
قد تسعد أي فتاة أن يكون زوجها يتصف بهذا الخلق، في الوقت الذي كثر فيه نوعية الشباب الذين لا تتوافر فيهم النية الجادة على إسعاد زوجاتهم وتوفير سبل الراحة لهم.
ولم أجد أي مفر للإجابة على طلبه، مع المخاوف الجمة التي تنغص حياتي بسبب هذا القلب الراكد الذي ليس لديه غير التوقف عن النبض بالحس، حتى لو تدفقت عليه المشاعر الفياضة ممن أحبها بالفعل، ولاسيما وهو لا يتوانى في جهوده ليشعرني بمكانتي عنده.
وما أفزعني أنني قد قرأت مؤخرًا في أحد الجروبات عن مشكلة مشابهة تعاني منها صاحبتها من أثر ركود قلبها مع زوجها، والوصف ببرود الحس في حالة عدم التجاوب مع الأمور الخاصة بين الزوجين..!
فهل أستطيع أن أكون الزوجة التي يتمناها هذا الشاب...؟
مع تحياتي
عبد الفتاح حموده