الكِتَابَةُ بِأَبْحَدِيَّةٍ ثُنَائِيَةِ التَرقِيْم :
البَيَان نَاقِص وَاحِد ( 1- ) .
أُشْبِهُ أَن أَكُونَ هُنَاكَ فِي لَحْظَةِ صَمْتٍ - أَعِيْشُهَا كَمَا طَعْمُ المَوْتِ - تَهْزَأُ بِالوَقْتِ و لَونَيّ دَوَرَان الأَرضْ ، تَجْتَرُّ فِكٌرَةَ أَنَّنِي مَا زِلْتُ هُنَا ، و تُفَسِرُ جُنُونِي بِاضْرَابِي عَن الكَلَام ؛ لِأَنَّنِي سَجِيْنُ دِمَاغٍ يَتَدَاعَى شَبَقَاً مِن شِدَّةِ شَهْوَتِهِ العَابِثَة ، لِانْتِظَارِ النِهَايَة فِي حُضُورِ المَعْنَى أَو اللامَعْنَى ، فَلَيْسَ هُنَالِكَ ثَمَّةَ فَرق و أَنَا مُقَرفِصَاً عَلَى رَصِيْفِ المَاضِي ، الذِي يَمْشِي بِي نَحْوَ الأَمَام ، حَيْثُ يُحَرَمُ الحَرْفُ عَنِ الكَلَام وَقْتَ كُنْتُ أَضَعُ نَفْسِي فِي مَا تَبَقَى مِن عَالَمِي الدَاخِلِي ، الذِي كَانَ يُخْبِرُنِي بِحَاجَتِي لِلقَلِيْلِ مِن الدِفْءِ و الهُدُوء ، كَي أَسْتَطِيْعَ تَرْمِيْمَ ظِلِّيَ المُتَكَسِرَ فِي عَمِيْقِ رُوحِي ، بِالحُطَامِ الكَثِيْرِ الذِي يَكْفِي لِإِعَادَةِ إِعْمَارِ الصَحْرَاءِ المُمْتَدَة ، بَيْنَ تَدْمُرَ و بُصْرَى الشَامَ و بَابِل ، أَعْتَقِدُ أَنَّنِي كُنْتُ أُطِلُّ مِنَ النَافِذَة ، نَافِذَةُ الرُوحِ عَلَى عَالَمٍ آخَر ، لَمَّا صُلِبَ المِسِيْحُ أَمَامَ البَيْتِ المُجَاوِر ، دُونَ أَن يَكْتَرِثَ أَحَدٌ و لا حَتَّى أَنَا .
فَجْأَةً تَتَبَعْثَرُ الحَقِيْقَةَ أَمَامَ ذُهُولِي البَعِيْد ، عِنْدَمَا اسْتَبَاحَت الصُدْفَةُ عُزْلَتِي لِتُخْرِجَنِي مِن زِنْزَانَةِ نَفْسِي ، كَي تَصْنَعَ لِي قَدَرَاً جَدِيْدَاً يَكُونُ هُوَ الوَدَاعُ الأَخْيْر ، جَمِيْلَاً لَا لِقَاءَ بَعْدَهُ ، فَخَيَبْتُ ظَنَّ قَدَرِي مُتَعَمَدَاً لَمَّا تَذَكَرتُ أَنَّنِي قَبْلَ رَحِيْلِ الليلِ بِشَمْعَتَيْن ، أَومَأتُ إِليْكِ بِانْكِسَارٍ رَصِيْن : أَن اسْتَمِرِّي بالابْتِسَامِ الأُنْثَوِي حُمَيْرَاءَ الوَجْنَتَيْن ، أُرِيْدُ أَن أَبْكِي سَيِّدَتِي - يَا سَيِّدَةَ السَرَابِ المُرَاوِغ ، حِيْنَ سَأَلتُكِ هَل جُنَّ ( النِيْل ) فِي ( عَنْتِيبِي ) !؟ ، فِي الوَقْتِ الذِي كَانَ فِيْهِ يُحْتَضَرُ الفُرَات أَمَامَ مَرْأَى الامُبَالاة ، بَعْدَ وُقُوعِ جَرِيْمَةٍ فِي حَوضِ شَرْقِيّ المُتَوَسِط قُيِّدَت ضِدَّ مَجْهُول ، غَيْرَ أَنَّ أَصَابِعَ الاتِهَامِ كَانَت جَمِيْعَاً تُشِيْر إِلى كَوكَبِ ( الزُهْرَة ) لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الجَمِيْعَ فِي اتْجِاهِ دَوَرَانِهِ حَوْلَ نَفْسِهِ ، و مَسِيْرِهِ البَطِيءِ فِي دَوَرَانِهِ حَوْلَ نَجْمِنَا الشَمْس .
أَمَّا الآن بَعْدَ مَا سَيَكُونُ و بَعْدَ مَا كَان ، كُلُّ الأُمُورِ سَوَاء ؛ فَهَذَا الحُبُ وَاحِد و طَعْمُ المَوْتِ وَاحِد ، فَقَط أَمَامَكِ أَنْتِ و فَقَط أَنْتِ ؛ سَأَبْكِي حَيْثُ أَرَانِي أَقَلُّ وَعْيَّاً مِن أَن أَكُونَ بِهَذَا العُمْر ، أَجْهَلُ مَعْنَايَ تَمَامَاً بِغِيَابِك ، و مَعْنَى مَا تَرْسُمُهُ الحُرُوفُ هُنَا ، سَأَبْكِي حَتَّى يُسْلَخَ جِلدِيَ مِنَ الدَاخِل ، لِأَنَّنِي لَم أَسْتَطِعَ أَن أَكُونَ كَمَا تُرِيْدِيْنَ و أُرِيْدُ لِرَغْبَتِك ، رَغْبَةً لَكِ و فِيْكِ - أَكْبَرُ بِكَثِيْرٍ مِنَ الأَطْفَالِ بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ ، و أَكْثَرُ نُضُوْجَاً مِن رَجُلٍ مُقَبِلَاً كَفَيْكِ - ، حَتَّى أَنَّنِي لَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَتَقَرَبُ مِن نُقْصَانِيَ الدَائِم - أَنْتِ ، الإِلَهَةُ التِي تَتَأَنْسَنُ مِن عَيْنَيْهَا فِي عُيُونِي - لِتُضِيْفَ إِليَّ مَا يَنْقُصُنِي ( النَحْنُ الإثْنَان ، النَحْنُ الإنْسَان ) ، قِلْتُ إِليْكِ ذَاتَ فُصَام ، سَيِّدَتِي لَا يُوجَدُنِي إِلَّا فِيْكِ ؛ فَأَيْنَ عَسَاكِ تَكَادِي تَكُونِي !؟ ، إِذمَا عَرَفْت وَقْتَذَاكَ سَأَمُوتُ عَمَّا قَلِيْل ، فِي كُلِّ وَمْضَةٍ مِن بَرِيْقِ عَيْنَيْكِ .
أَخِيْرَاً أَصْحُو مَذْعُورَاً عَلَى صَوْتِ أَحَدِهِم : مَن الذِي فَتَحَ النَافِذَةَ المُوصَدَة ؟ ، فَلَن أَسْمَحَ لٍأَحَدٍ أَن يَطْرُقَ عَلَى جُدْرَان الخَزَان ، إِنَّهُ مَوسِمُ الأَحْزَان ، فَلنْلتَزِمَ بالتَبَاعُدِ و الكَمَامَات التِي تَلجُمُنَا كَي لَا يَمُوتَ الكَثِيْر ، فَضَحِكْتُ مُقَهْقِهَاً و أَنَا أُخَاطِبَهُ : أَنْتَ يَا لَيْلِيَ الحَقِيْر ، لِمَاذَا لَا تَنَامَ و دُونَ صَوتِ هَذَا الشَخْيْر .
سامي يعقوب .
D.C.01