lundi 26 juillet 2021

مذكرات سجين 

الحلقة الحادي والعشرين

✍️ بقلم / عبدالله الحداد 

أيها الأعزاء :

💁‍♂️ توقفنا في الحلقة الماضية عندما تم اعتقال سائق السيارة شرف اليوسفي و من في السيارة وهم شيخ مسن - لعله في التسعين من عمره - واسمه عبده الخيبه وابنه و صهره .

🔸 أوصلتهم الجهات الأمنية إلى سجن البحث الجنائي بتعز وبالتحديد ( غرفة المسجد ) والمخصصة للهاي كلاس .... 
🔸تقدم أحد النزلاء فسأل القادم الجديد عن اسمه ... فقال له : اسمي شرف .
عقب السائل بسؤال آخر _ وهو السؤال المعتاد لدى النزلاء - وماهي تهمتك أخي شرف ؟ 
قال شرف : لا أدري حتى الآن ! ... كل ما أعلمه أن رجلا عجوزا استوقفني وطلب مني أن أحمل له الأثاث من مدينة القاعدة إلى مدينة تعز .... ثم في نقطة الحوبان تم اعتقالنا دون إبداء الأسباب ... وأتوا بنا إلى هنا !!
قال آخر : وأين ذهب الرجل العجوز ؟ 
قال شرف : هو معتقل أيضا في الغرفة المجاورة ( عنبر واحد) .
🔸جلسنا نتجاذب معه أطراف الحديث محاولة منا لتسليته ... صلينا معا ثم تعشينا وكان ضيفنا الجديد .

 🔸و كعادة المحققين فقد تم استعداء شرف في وقت متأخر من الليل .... أفزعنا مناداته فاستيقظنا وظللنا ننتظر عودته من التحقيق .

🔸 ويروي لنا شرف تفاصيل اللقاء الأول مع زوار الفجر فيقول : دخلت على المحققين وبدأوا التحقيق معي ... فكانت أسئلتهم تنزل عليا كالصاعقة !
🤷‍♂️ ترى ماهي التهمة التي وجهت إليه ؟
🔸 تعالوا معي لنلج إلى غرفة التحقيق بحسب ما رواه لنا شرف بنفسه ....
المحقق : أنت متهم بأنك أحد أبرز عصابة عبده الخيبه ؟
شرف : ومن هو عبده الخيبه ؟
المحقق : ( يوجه إليه صفعة قوية على خده ) ثم يقول : أتتغابى علينا ؟
شرف : يتحسس الصفعة على خده بيديه ثم يقول : والله ما أتغابى ... أنا أتكلم الحقيقة !!
المحقق : يبدو أنك لن تعترف بسهولة !! ... يبدو عليك أنك تحب أن تعلق على الضغاطة ... ثم يناوله صفعة أخرى !
شعر شرف بالقهر الشديد .... وأي قهر يا ساده ؟ عندما تكون شخصا محترما ... تكن الحب للآخرين ثم فجأة تقع ضحية بعض المحتالين لتهان ... وأي إهانة!! بسبب ذنب لم تقترفه ! 
يقول شرف : ساقوني إلى ما أسموه الضغاطة .... وهي آلة تشبه الشواية التي يشوى بها الصيد أو الذبائح ... أجلسوني على كرسي ثم وضعوا  ماسوره تحت ركبتي وثبتوها من الجانبين على حامل...  وبعدها ربطوا ما بين ساقاي وفخذاي ... وفجأة سحبوا الكرسي من تحتي فهوى جسمي إلى الأسفل بينما ظللت معلقا على الماسورة !!
يا الله ... رأسي معلق في الهواء إلى الأسفل كالخفاش ! ... يا الله ! يكاد رأسي ينفجر من ضغط الدم !! ... يا إلهي ... ماذا جنيت ؟
 
🔸 بعد أن علقوه على هذه الآلة تناول كلا منهما ( وقت التعليق كانا اثنان من المحققين ) عصا غليظة ثم  بدأوا يضربونه ضربا عنيفا على باطن رجليه ومقعدته, ورأسه معلق إلى أسفل كالخفاش . 
🔸كان الرجل يصيح ويتوسل إليهم أن يصدقوه ... وأن يرحموه لكنهم كانوا كالأخرس الذي لا يسمع !! وظلوا يضربونه حتى فقد وعيه .... وهناك خافا أن يموت بين أيديهما فحلا وثاقه ثم  أنزلاه من فوق الضغاطة اللعينة.... تلك الآلة التي لطالما لفظ الكثير أنفاسهم على متنها .. تلك الآلة التي تستهوي أفئدة بعض الذين يدعون حماية الوطن بينما هم يشوهون أوطانا تعز على قلوب ساكنيه !! تلك الآلة التي هي محرم إستخدامها شرعا وعرفا وقانونا .... تلك الآلة التي اتفق على تحريمها كل التشريعات العالمية وقانون حقوق الإنسان .

🔸بعد ذلك أنزلوه على الأرض لكنه خر مغشيا عليه ... ينادونه فلا يجيب !! لقد دخل شرف الإنسان الطيب في غيبوبة تستدعي نقله إلى المستشفى !!, لكنهم بدلا من أن يذهبوا به إلى المستشفى حملوه إلى المسجد ثم ألقوه كمن يلقي بشاة ميته .

💁‍♂️ وتخيلوا الموقف الذي أفزعنا ونحن نتحسس جسده فوجدناه باردا لا حراك له إلا من أنين ضعيف لا يكاد يبين ! .... كادت أرواحنا أن تزهق ونحن نرى ذلك الرجل يموت أمامنا ولا نستطيع إنقاذه !! يالقهر الرجال الذي استعاذ منه نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام !!
🔸قمنا بنقله إلى فراشه ثم أدفأناه ببطانية غليظة لمدة نصف ساعة بعدها رأينا البطانية تتحرك !! . يا رب لك الحمد ... لقد عاد إليه وعيه !! ... أجلسناه ثم بدأنا نسقيه من الماء قليلا ليبلل حلقه المتيبس ... لا حول ولا قوة إلا بالله ... ماذا نفعل له ؟ صببنا قليلا من الماء على رأسه ... زادت حركة جسده لكنه لا يستطيع الكلام ... كان يرفع أصبع السبابة وكأنه يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ! 
لهفي عليك يا شرف !
💁‍♂️ في الصباح كان شرف قد استعاد جزءا من قوته ... هم بالقيام ليذهب إلى الحمام كي يتوظأ لصلاة الفجر ولكن هيهات ... أنى له القدرة على الحركة !! نظرنا إلى رجليه فوجدناهما وقد تورمتا بدرجة شديدة قد ضاعف من حجمها ذلك التورم !!!
 حملاه اثنان من النزلاء  إلى الحمام  وساعداه على أن يتوضأ ثم حملوه ثانية إلى المسجد ليصلي على جنب .... نعم على جنب لأنه لم يستطع الجلوس فقد كانت بقع الدم المتخثرة تحت الجلد من أثر الضرب ملتهبة جدا !!
🤷‍♂️ إلى الله المشتكى !! ... لماذا كل هذا الإفراط في التعذيب  ؟ ماذا جنى ؟ ألأنه أجر سيارته على هذين الشخصين الذين كان يحسبهما أنهما فعلا يريدان نقل عفشهما إلى تعز بحجة أنهما قد استأجرا منزلا لأسرتهما في تعز ؟
و هب أنه كان مجرما فهل يبيح الدستور والقانون هذا النوع من التعذيب لأجل انتزاع اعترافات كما يدعون ؟

🔸 كان شرف رجلا متدينا ... لا يكاد يتوقف لسانه عن ذكر الله , كثير العبادة .... يناجي ربه : ( رب إني مغلوب فانتصر ) .
🔸كنا نستخدم كؤوس الشاي ككمادات لتخفيف تورم رجليه وظل فترة حتى تماثل للشفاء .

🔸 ذات يوم ونحن جلوس قبل صلاة المغرب رأيت ذلك الرجل المسن وهو يترنح في مشيته يكاد يسقط ! , ناديت شرف , وكان قرب الباب أن أدرك الرجل العجوز حتى لا يسقط على الأرض ! ... قلت ذلك لما رأيت فيه من الطيبة وحب الخير في تعامله مع بقية السجناء .... وفعلا قفز شرف ليساعد ذلك المسن .... ولما رآه توقف قليلا ... ثم عاد إلينا دون أن يقدم المساعدة للرجل على غير عادته , وقد سمعته يهمهم بكلمات فهمتها عندما اقترب مني!!  فماذا كانت ؟
لقد كانت لعنات وسباب لذلك الرجل العجوز !! ... يا الله ! لماذا تسب وتلعن هذا المسكين يا شرف ؟ ... وأنت من يوم أن عرفناك هنا لا ينطق لسانك إلا بذكر الله ؟ 
أجابني شرف - و هو يخرج زفرة مملوءة بالحزن والألم - : هذا هو عبده الخيبه الذي استأجرني وسجنت بسببه !!

🔸 لم يكن عبده الخيبه وابنه أصحاب العفش الذي أرادا نقله إلى تعز ! كما أخبراه  ... لكن الحقيقة أن هذا المسن وابنه مسجلان خطر لدى إدارة مكافحة السرقة , وهما لصان محترفان و متخصصان في سرقة المنازل .

 💁‍♂️ تخيلوا شيخا في التسعين من عمره ويدير عصابة سرقه !!

🤷‍♂️ أي سوء خاتمة لهذا الرجل العجوز ؟ 
خدعوا الرجل الطيب عندما استأجروه , ولم يكن يعلم أنه أثاث مسروق ! ثم لما كان التحقيق معهم أدعوا أنه شريك معهم في السرقة زورا وبهتانا ... 

💁‍♂️ قد يقول قائل : كلهم عندما يكونون في السجن يدعون أنهم مظلومون ! 
💁‍♂️ أقول : كلام صحيح في الكثير من الحالات لكن هذا الرجل سألت عنه بعد خروجنا من السجن أناسا ثقات وكلهم شهدوا بسمعته الحسنة وسيرته العطرة .
ظل شرف في السجن حوالي أسبوعين ثم تم إحالتهم إلى النيابة وهناك أحضر ضمانة حضورية على نفسه وخرج .

💁‍♂️ هذه قصة مظلوم من عشرات القصص التي شهدتها في السجن وغيرها ما لم أطلع عليها .

❇️ قصة المؤذن في السجن !!

💁‍♂️ قصة المؤذن في السجن هي قصة رجل كان يمتلك الملايين والكثير من الذهب والمجوهرات ومزارع الدجاج والديور والسيارات وغيرها من الثروة الكبيرة بحسب ما أخبرنا أهل قريته , ثم ما بين عشية وضحاها أصبح فقيرا ... خائفا ... مشرد أهله ... وفي السجن موئله !!
مأساة تحكي طغيان الإنسان على أخيه الإنسان .

تابعونا غدا لتعرفوا مجريات أحداث هذه القصة زمانا ومكانا .

شروق الحكمة /// بقلم د. أحمد بلال

شروق الحكمة مع العمر يصفو النظر وتشرق الحكمة، تستعر يذبل فينا عبير الزهور لكن يبقى العطر لا ينكسر مع العمر تمضي خطانا هدوءا ونحفر في دربنا م...