"عضة أسد ولا نظرة حسد"
بقلم/احمد زايد
"عضة أسد ولا نظرة حسد" هكذا يقول المثل، إيماناً بقوة الحسد وتأثيره السلبي على الإنسان المحسود، وقد ذُكر الحسد في القرآن الكريم، إذ طلب الله تعالى من عباده أن يتعوذوا منه، وأن يحترسوا بل وأن يتحصنوا، فإن أول ذنب عُصي الله به في السماء هو الحسد، حين حسد إبليس آدم عليه السلام. قال ابن القيم: (الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنَّه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم الله عنهم، كما أنَّ إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا، فالحاسد من جند إبليس) وحسد قابيل هابيل. والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون ولقد أحسن من قال: قل للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالما وكأنه مظلوم". ويشغل موضوع الحسد حيزا كبيرا من اهتمام المسلمين ويسبب هذا الموضوع مخاوف للمسلمين الذين يعتقدون أن الحسد يمكن أن يؤثر عليهم بالسلب في أرزاقهم أو في حياتهم العملية، فهل الحسد يمكن أن يتسبب في قطع رزق إنسان ؟ وهل من الممكن أن يتحول الحسد من مجرد مشاعر أو طاقة سلبية إلى قوة فاعلة وطاقة إيجابية يمكن لها أن تتسبب في قطع رزق إنسان أو إحباط حياته المهنية أو هدم زواجه؟ وهل سورة الفلق دليل على أن الحسد قوة إيجابية وليس مجرد مشاعر يشعر بها الحاسد ؟ ولماذا أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نستعيذ من الحاسد وليس من الحسد وذلك في قول الله تعالى : ( ومن شر حاسد إذا حسد ). فالحسد مرض عظيم وداء خطير يصيب الحاسد نفسه فيأخذه الهم والغم؛ بل ربما يجن ويأخذه الخبال أو يقتل نفسه حسدًا لنعمة عند غيره؛ ولذا قال الحسن البصري رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا تعادوا نعم الله! قيل له: ومن يعادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله».وحديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"، ناصحا للوقاية من الحسد والحقد وعلى الإنسان أن يقرأ المعوذتين، مطالبا بعدم الحقد والحسد بين الناس لأن النعم كلها بأمر الله وهو الذي يقدر ذلك وما عند الله يطلب بطاعته ولا يعطى بمعصيته إن الحسد هو مجرد مشاعر سلبية يشعر بها الحاسد تجاه المحسود، لكن لا يتصور عقلا ولا شرعا أن مجرد شعور إنسان بالحسد تجاه إنسان آخر سوف يتسبب في تدمير حياة هذا الإنسان أو منع رزقه أو هدم حياته الزوجية والآية الكريمة قد دعت المسلمين للاستعاذة من الحاسد وليس من الحسد، الله سبحانه وتعالى قال من شر الحاسد وليس من شر الحسد وقال عزَّ مِن قائل: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء: 32]. قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (والحسد مذموم، وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والنبي صلى الله عليه وسلم، ذاته، تعرض للحسد، فرقاه الملك جبريل عليه السلام، حيث أتاه وقال له: «يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك». وهناك فرق بين الحسد والعين فالحسد تمنّي الحاسد زوال النعمة والخير عن المحسود المستحق لها، وربّما سعى هذا الحاسد لإزالتها ودفعها عن صاحبها أما العين فمعناها إعجاب النفس الخبيثة ونظرها إلى المعين، وقد ورد لفظ العين في السنة النبوية المطهرة في قوله عليه الصلاة والسلام: (العينُ حقٌّ ولو كان شيءٌ سابقَ القدَرِ لسبَقَتْه العينُ) وهناك ثلاثة انواع من العين 1-المعجبة: وهي التي يكون مسؤولًا عنها الشخص نفسه؛ بحيث يفرط في الإعجاب بنعمةٍ ما، دون أن يباركها، فبذلك يفسدها يإذن الله، يقول الله تعالى في سورة الكهف: «وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا» (سور الكهف: 39). ، وإنّ الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدّعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه».2- العين الحاسدة: تكمن في تمنّي زوال النعمة عن المحسود، وتكون مكلّلة بالصّفات الذميمة كالغيرة، والحقد، والكراهية.
3- العين القاتلة «السمية»: من أكثر أنواع العين ضررًا؛ فهي تخرج من العائن إلى المعيون مباشرةً بقصد الضرر به. والعين أشدّ ضرراً من الحسد.فالعين تكون على شيءٍ مشاهد وموجودٍ فعلاً، بينما لا يشترط ذلك في الحسد، فقد يحسد الإنسان ما لم يره، أو يحسد قبل وقوع الشيء. وأصل مقولة "العين فلقت الحجر" ترجع إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ويروى أن امرأة كانت مشهورة بالحسد جاءت إلى رسول الله، فخاف على حفيديه الحسن والحسين، فاستبدلهما بحجر ووضع عليه غطاء حتى لا تصيبهم عين المرأة، وبالفعل دخلت المرأة ونظرت إلى الغطاء، وبعدما غادرت أزال الغطاء ووجدوا الحجر انفلق إلى النصفين. ومن هنا بدأ تداول هذه المقولة بين الأشخاص، حتى دخلت ضمن الموروثات الشعبية والأمثال المتداولة، ذلك على الرغم من عدم ذكر هذه المقولة في كتب السُنة إلا أن الأجيال توارثتها مستندة إلى ذكر الحسد في القرآن الكريم وباتت منتشرة وتردد حتى يومنا هذا. ورد عن رسول الله أنَّه قال: "أَكْثرُ مَن يموتُ مِن أمَّتي بعدَ قضاءِ اللَّهِ وقدرِهِ بالأنفسِ أيْ العَينِ"،وعليه فإنَّ على الانسان أنْ يتحصن بالمعوذات والأذكار النبوية كقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وما إلى ذلك من طرق الوقاية من الحسد والعين فتكون من خلال ذكر الله تعالى فإذا رأى الإنسان من ماله أو ولده ما يعجبه دعا له بالبركة، وردّد قول: (ما شاء الله لا قوة إلّا بالله)، قال الله تعالى : - ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) . وإذا رأيت شيئا فأعجبك ؛ مثل مالك صحتك فراغك حيويتك وإنتاجك في وظيفتك وعملك منطقك ومثل شايب تعدى المئة وهو يتمتع بقوته لم يتعطل منه شيء يظهر لنافقل لنفسك ولغيرك ما شاء الله لا قوة إلا بالله والحُسَّاد كما يراهم أبو العلاء المعري مفروضون علينا لا ينجو منهم أحد:
الملكُ لله، لا تنفكُّ في تعبٍ حتى تزايَلُ أرواحٌ وأجسادُ
ولا يُرى حيوانٌ لا يكونُ له فوقَ البَسيطةِ أعداءٌ وحسادُ
فى ختام مقالتى أدعو الله عز وجل أن يكُفّ عيون النّاس عنا، ويصرفهم عنّا ويجعلهم في أنفسهم مشغولين. أعوذ بالله العلي العظيم من نزغات الشياطين وجنودهم وأعوانهم. أعوذ بالله العلي العظيم من شر الحاقدين، ومن شر الحاسدين، ومن شر العائنين، ومن شر الناظرين، ومن العاشقين، ومن شر الساحرين والشياطين اللهم أخرج كل عين وحسد، اللهم أصرف كل داء عن الروح والجسد.