الأسرة بين سندان الإنترنت ومطرقة الفضائيات
بقلم/احمد زايد
يبدو أن الدنيا قد تغيرت، ولم يعد للبيوت أسرار يجب المحافظة عليها أو كتمانها فكل الأسرار أصبحت مُتاحة أو مباحة على مواقع التواصل الاجتماعي: سواء في الفيس بوك أو في جروبات الواتس آب أو من خلال صور الإنستجرام. ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاحٌ ذو حدين، فلها جوانب إيجابية وأخرى سلبية ومن أشدها خطرًا مساسها بالأسرة، فإذا بهذه الوسائل تغدو نقمة وكان حقها أن تكون نعمة. لقدأثرت وسائل التواصل الاجتماعي في كل جوانب الحياة الإنسانية وخاصة الجانب الأُسري، فقضت على كثير من القِيَم، وأحدثت تغييرات أسهمت في زعزعة علاقات الفرد بأسرته وعلاقات الأُسر ببعضها فالحياة الشخصية لم تعد شخصية بمفهومها القديم. كل شيء أصبح معروضا على الملأ وفي ظل غفلة طرف وانشغال طرف آخر وتدخل سافر للشيطان كطرف ثالث تقع الكارثة، وتكون الطامة الكبرى التي تزلزل كيان أسرة مستقرة وتعصف بمصير أبرياء لا ذنب لهم إلا إنهم استجابوا لرغباتهم وأهوائهم في لحظة ضعف والسبب كان في "الإنترنت"، هذا الشبح الذي أصبح يطارد كثيرًا من الأشخاص الذين لم يحسنوا استخدامه حتى أفسد زوجة على زوجها، أو زوجًا على زوجته ومشكلة الإنترنت ليست مشكلة بلد أو منطقة بعينها ولكنها بالفعل أصبحت مشكلة عالمية، ولكن ما يقلقنا هو أن تزداد المشاكل المصاحبة لاستخدام هذه الشبكة العنكبوتية في دول عربية وإسلامية لها عاداتها وتقاليدها المستمدة من بيئتها الإسلامية، ولها قيمها المستوحاة من دينها وعقيدتها، خاصة وأن الخيانة الزوجية من خلال استخدام الإنترنت باتت بالفعل ظاهرة تهدد امن واستقرار الأسرة العربية. إن المشكلة الحقيقية ليست في الإنترنت ولكن في طريقة استخدامه، حيث نسبة قليلة جدًا من مستخدمي الإنترنت في العالم العربي يستخدمونه للبحث العلمي، وتأتي النسبة الأكبر للشات وزيارة المواقع وغيرها من الاستخدامات الأخرى .الآن بعض الأسر تعاني انهيارًا في داخلها وإن كان أعضاؤها موجودين، وهذا ما يُعرف بالتصدع السيكولوجي؛ فالأسرة في شكلها الخارجي مترابطة ولكن لا يوجد أدنى شكل من أشكال العلاقة الصحيحة التي تستلزم الترابط والتفاهم. وليس هناك شك في أن استخدام الإنترنت لفترات طويلة وانشغال طرف عن الآخر يؤدي إلى تفسخ العلاقات، خاصة وأن استخدام الإنترنت يقوم به كل فرد على حدة، بينما التلفزيون مثلاً إذا شاهده الزوجان فقد يؤدي جلوسهما معًا إلى النقاش والحوار. إن الإنترنت هذه الأيام فى المنازل نقمة وليس نعمة، فجميع من فى المنزل اتجهوا إلى محادثة بعضهم عن طريقه وليس وجها لوجه، بالرغم من تواجدهم فى مكان واحد، وأصبح تجمع الأسرة على جروب على "فيس بوك" أو "واتس آب" يسبب فتور فى العلاقة الأسرية بين الزوج وزوجته والأولاد، ومن خلال مقالتي أوجه رسالة الى الآباء والأمهات بالرجوع إلى العادات والتقاليد القديمة، وهى تجمع الأسرة فى مكان واحد حول المائدة، ومناقشة جميع الأمور الأسرية حتى يكتسب الطفل غريزة الانتماء الأسري. عزيزي القارئ لا ننكر فائدة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتقريب البعيد، لكنها على الجانب الآخر من الحياة الزوجية والأسرية استطاعت أن تبعد القريب وتفرق بين أفراد الأسرة الواحدة، فأصبح مشهد الانشغال بالهواتف والتابلت وغيرها من الأجهزة الحديثة أمر وعادة متكررة ومستمرة 24 ساعة، فى مقابل إهمال واجبات كل فرد ، ومن هنا تخلق المشاكل وتتاح الفرص للخيانة، لذلك يجب أن نقلل هذا الإدمان ونتحكم فيه بدلا من أن يسيطر على حياتنا ويهدمها ويكون السبب الرئيسي لخراب البيوت. يا ليتنا نأخذ من التكنولوجيا الحديثة ما يسعدنا ويعلمنا ويثقفنا ويرفه عنا.. ولا نسمح لها بأن تفسد حياتنا وتخربهايجب أن يحرص الزوجان على طاعة الله ومراقبته، وعلى التماسك الأسري واستيعاب كل منهما للآخر، وجدانيًا وعاطفيًا، حتى لا يتركا للشيطان منفذًا بينهما، سواء من الإنترنت أو غيرها وبهذا نمنع أن تتحول هذه الشبكة المعلوماتية إلى معول هدم للأسرة. فى ختام مقالتي أرى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي غير مفضل، ولا يُنصح به. لكن في الوقت نفسه سيكون من الخطأ القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سيئة بشكل عام، لأنه من الواضح أنها قد تحقق فوائد لا تُحصى في حياتنا. اللهُم احفظ بيوتنا واملأها سكينة وطمأنينة واصرف عنها الحسد والشرور، اللهُم ألفْ بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهْدنا سُبل السلام، ونجنا من الظُّلمات إِلى النور، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إِنك أَنت التواب الرحيم.