جاوِرْ السَّعيدَ تسعَدْ !
بقلم/ احمد زايد
الجيران هم أقرب الناس سَكناً، ولعلّ الجار بِسببِ قُربه من جاره أكثر مَعرفةً به وبِظروفه وما يَحصل عنده فور حدوثه، حتى إنّ الجار قد يَعلمُ عن جاره أموراً تَخفى على أهلِه وأقرب النّاس إليه؛ ولذلك كانت للجيران أهميّةٌ وفضلٌ عظيم؛ فالجارُ صاحبُ الخلق والدّين من أسباب سَعادة الإنسان وراحته في بيتِه ، فالبيوت أسرار، والجار من أقرب الناس للأسرة من خلال علاقته بجاره أو علاقة الزوجة بزوجة الجار أو علاقة الأبناء بعضهم بعضا.
كان العَرب يَتفاخرون بحُسن الجوار حتى قبل الإسلام؛ وكانوا يتفاخرون بإكرام الجار، والإحسان إليه، والقيام بواجبهم نحوه خير قيام، فلمّا جاءَ الإسلام حرصَ على استمرار هذا الخلق العظيم في مراعاة حق الجار، قال تعالى:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُوراً "النساء (36) .قال ابن عباس رضي الله عنه: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى، يعني الذي بينك وبينه قرابة. الْجَارِ الْجُنُبِ، الذي ليس بينك وبينه قرابة. حيث أوجَبَ الله على المُسلمين أن يُحسنوا إلى الجار قريباً أم بعيداً، عربياً أم أعجمياً، من دون تمييزٍ بين عرقٍ وعرق، أو لونٍ ولون.
الجار له حقوق سواءً كان مُسلماً أو غير مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره). لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل - عليه السلام - يوصي رسول الله ﷺ بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه". ومن حقوق الجار القاء السلام على الجار والمبادرة به وكذلك تقديم يد العون والمساعدة للجار اذا احتاج إلى ذلك، كما أن حسن الجوار يتطلب غض البصر عن عورة الجار وأهله وبيته واحترام غيبته وحفظ أمانته، ومشاركته في المناسبات المختلفة بما في ذلك السراء والضراء، كما أن حق الجار على جاره هو تقديم النصيحة له بأسلوب مهذب ونهيه عن الأمور الخاطئة حتى تكتمل صورة حسن الجوار بين الناس. وقد كان العرب في الجاهلية يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران ويتباهون بحسن الجوار يقول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وأما في الإسلام قال مسكين الدارمي وهومن شعراء بني أمية:
نارِي ونارُ الجارِ واحدةٌ وإليه قبلي تُنْزَلُ القِدْرُ
ما ضرَّ جاريَ إذ أجاوِرُه أن لا يكونَ لبيتِه سِتْرُ
أَعمى إذا ما جارتي خرجتْ حتّى يُوَارِيَ جارتي الخِدْرُ
(الخدر: سِتْر يُمَدُّ للمرأة في ناحية البيت).
اخى الكريم نحن نتذوّق القِيَم الإسلاميّة نظرياً، ولكن والله لو عِشناها لشَعَرنا بِسَعادةٍ لا توصَف، على الوصْف نسْعَد بسماعها، فكيف إذا عِشْنا هذه القِيَم؟ وكيف إذا كُنّا كما أراد النبي؟ كيف إذا كُنّا كما وجّهنا النبي عليه الصلاة والسلام؟. عزيزي القارئ كن على يقين أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق نحو الجار وغيرها مما جاءت به الشريعة، والإسلام يهدف من وراء الإحسان إلى الجار إلى مضاعفة الحسنات، ودخول الجنة، والنجاة من النار* وجاور السعيد تسعد* اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.