الطمع وصروف الدهر وعناية الله .. الجزء الثانى والأخير
بقلمى____د. إمام عبدالعظيم سليم
الرجل الذى كان بالأمس يتمنى الموت لفقد ثروته ، فقد تملكه الخوف حينما رأى نفسه مشرفا على الهلاك ، ولحسن حظه صادف لوحا من الخشب فتمسك به الى أن يسر الله له من ينتشله من الخطر ، وظلت الأمواج تتقاذفه ذات اليمين وذات اليسار إلى أن طلع النهار فنظر إلى ما حوله فرأى صندوقا صغيرا عائما فحاول الوصول إليه ولكن هبت زوبعة ضاعفت عنف الامواج وقذفت الصندوق حتى اصطدم باللوح الذى بين يدى الغريق فأفلت من يده وغاص الرجل من قوة الصدمة ، ثم طفا وشاهد اللوح بعيدا عنه ولكنه لمح الصندوق على مقربه منه فسبح حتى أمسك به وامتد على غطائه ، وطفق يستعمل ذراعيه بدلا من المجاديف ، وأخذت تطوح به اللجج فى كل صوب دون طعام ، وقضى نهاره وليله على الحالة المضنية دون أن يعرف إن كان قريبا او بعيدا عن البر لأنه ما كان يرى غير الماء والسماء ، وفى الغد طوحت به إرادة الله السامية وعنايته إلى جزيرة ، واصبح جسمه كالإسفنج وهو منكمش على الصندوق كما يفعل الغرقى عند إشرافهم على الهلاك ، وكانت في تلك الآونة إمرأة تغسل آنيتها على الشاطئ فذعرت لرؤيته على تلك الحال وصرخت صراخا عنيفا ، وكان الرجل منهوك القوى حتى أنه لم يستطع النطق بكلمة ، ولما اقترب الصندوق من الشاطئ وتأملت فيه المرأة ميزت شكل الصندوق ولمحت وجه الغريق فتأثرت بعاطفة الشفقة والحنان ونزلت بقرب الشاطئ وكان البحر هادئاً وأمسكت الرجل من شعر رأسه وجرته هو والصندوق الى الشاطئ ونزعت يديه المتشنجتين من الصندوق بقوة ثم وضعت الصندوق على رأس فتاة كانت معها ثم حملت الرجل على ظهرها كالطفل وذهبت به الى مسكنها وغسلته ودلكته بالماء الساخن الى أن أفاق وتحرك ، وبعد ذلك سقته واطعمته حتى أنتعش وعاد الى رشده ، ورأت المرأة أن ترد إليه صندوقه وأن تشجعه على ما اصابه من المحن ولو ان الرجل لم يفكر قط فى الصندوق إلا أنه ظن أن يجد فيه شيئاً يستعين به على القوت بضعة أيام ، ولما أراد أن يفتحه وجده خفيفاً جداً فتملكه اليأس والقنوت ، ثم فتحه بفارغ الصبر تطلعا لما يحتويه ، وكانت المرأة قد غادرت بيتها لقضاء حاجتها ، فوجد فيه كمية من الأحجار الكريمة ، ولسابق معرفته بالجواهر تحقق أنها ذات قيمة كبيرة ، فحمد ربه على هذة النعمة العظيمة ومجده ، لأنه قد حرسه بعين عنايته وعوضه اضعاف ما فقد .