أحمد بو قرّاعة
يَحارُ الحِجَى إذ يرى ما يرى
إلى هذا اليوم وقد مضى على شطر توبتي و نصف إنابتي زمن ، لم أعرف بعدُ إن كان منْ صاحبتُ أنذاك شابّة جميلة شديدة الثراء أم شابّ شديد الثراء جمّل ما فيه من النساء بما لهنّ فَغُولطتْ عينٌ أتعبها الإستعداد و أرهقتها مجالسة الإخوان . فلقد كنت متى عزمت على اللقاء استعدّ له بما يجب. فأنهض عصرا فأشرب في بيتي ما أرى به النمل يدبّ في رجلي ، فأريحها إلى آخر العشيّ ثمّ أشدّ زمامها إلى حيث الإجتماع و الفرح.
كان في من ينتظرني تلميذ صار لي صديقا .كنت قد درّسته أدب الكتب منذ عقدين .و يعلّمني اليوم ، وقد صار قاضيا ما لم أكن أعلم ، كان يزورني و إخوة لي في اللّهو في دار قديمة موروثة عن والدي . وكنت أزوره في منزل حديث كلّ ما فيه جديد و يتغيّر . و أرتني الزّيارات أنّه ربّما عثر على كتاب "في حيل السرّاق و اللصوص" فحفظ واستفاد .كان صديقا صادقا ما لم يصطحب معه نقدا .و كان يشرب و كأنّه بجوفين فيهما أمعاء جمل .كان بدء شرابه حلاوة لسان و آخره تجاننا و ما بينهما القاضي الشارب لا ينطق و كثيرا ما كان يسرق الخطا نحو الباب.لقد كان أكبر منّي و أنا ولدت قبله .وليلة ما عرفت كيف امتلأتُ فخالفت الآداب و تركتُ الرّجال إلى وجه وضّاح و قدٍّ منظوم و صوتٍ رقيق .
و أعجبني كلّ ذلك .و أجرى ابليس لساني بالحيل و بالأعذار .و يسّر ما أعسر و دلّني حيثُ يقيمُ صديقي القاضي لقد كان ذلك الجمال وجها ليس فيه أثر للنّبات .و قدًّا منظوما كأحسن ما صُوِّرت البنات . كسوته لم يخلق مثلها في البلاد ، ومن الأنامل إذا حرّكت الكأس أشعّت أضواء متشابكة . وفتح الباب القاضي فرحا بعيوب معلّمه فسلّم و طأطأ و مشى . و بقيتُ واقفا أنظرُ في الجمال ساكتا أمامي كالحيران ،و ما كدتُ أرفع يدي وقد أثقلها الخمر أسحبها على الشعر حتّى طُرح مع ثقلها الشعر، وجاء الفزع وذهب السّكر و نشُط صوتي .فانتبهتُ فإذا الجمال خارج البيت يُسرع مبتعدا وبصوت مخلوط بصوت الرجال يَلعنُ فانزعج القاضي ومن معه فأسرعا يوصدان الباب .فنظرتُ فإذا من معه شبيه منْ كان معي.