jeudi 5 mai 2022

قصة قصيرة للكاتب أحمد بو قرّاعة
قَـــــــدْ...
تراصّ النّاس أجسادًا فوق بعضها في المساجد تهليلا و تضرّعًا و تكبيرا.
و بحّت الأصوات خَوْفًا و تخويفا و تحذيرًا و ترهيبًا. و لزم الخَلق بيوت اللّه كأنه الذّعر من الموت يتخطّفهم من الشّوارع. و عَادَ الحظّ إلى المصاحف تتشابك عليها الايدي، و عَادت الطّهارة إلى الألسن و صارت الشّفاه تقتسم مع الألسن ثواب التّرتيل و التّجويد و تكاد العيون قراءةً تسبق الشِّفَاهَ نُطقًا و حركة فلا يلتقط الفؤادُ إلاّ الذّعر و الخوف، وامتزجت الاصوات في المآذن ب " تبارك " و "الجنّ" و "لِلَّه ما في السماوات و الأرض" و غير ذلك من السّور.
و في قاعة فسيحة و كبيرة ليس بها مُصلَّى- قاعة في اكبر المطارات العربيّة حدّق القائد الأعلى للطّيران المدني و العسكري في الخرائط المعلّقة إلى الجُدْرَان. و ظَلت عيناه تجُولاَنِ من عاصمة أُورُوبِيَّة إلى اخرى أمْرِيكِيَّة فَصِينِيَّة فَرُوسِيَّةٍ. و تجمّعت آخر المُهاتفات و المراسلات الواردة عليه من مطارات تلك العواصم في كلمات قليلة:" أقفرت كُلّ العواصم و البلدان. ليس ندري ما حصل، ليس هنالك بشر".
كان ذلك الرّجل قائدًا ذا عِلْمٍ و بَحْثٍ و حِيلة. حوَّل بَصَره مُحدّقًا في خرائط العواصم العربيّة و كاد يضحك لولا توقّد في عَينيه جَرَى إلى شَفَتَيه فتبسَّمَتَا. وَ رَمى بالسَّماعة و استلقى على كرْسِيَّه الفاخر سائحا بنظره في صحراء العرب و بَوَاديها و عواصمها، و كاد يهمس بصوت:" و أيّ حاكم أو ملك أو رئيس او أمير أنظف من ذرّة تُراب عَلقت بِكَعب الرّسول و بنعله ؟! و أيّهم أشرف مَرْكَبًا منه. أَلَمْ يركب نَاقَةً و بَغْلَةً       و تخبّأ في غَارٍ بوّابته عنكبوت؟! هل فيهم أحدٌ صَلّى اللَّه عليه و سلَّم؟ هل يسكن الرّسول قصرا و إفترش وثيرا و توسّد حريرا و حفّت به الغلمان تسقيه و الجواري تغنّيه ؟ّ! ألم تكن الدّنيا بيده فاستغنى بالقليل عن الكثير، فهل في هؤلاء من أغناه الكثير عن القليل؟!
ورفع الرجل رأسه فرأى وجهه في مرآة فقال بصوت مسموع : "حتى أنا ... أنا الذي حيّرني" مرج البحرين يلتقيان " و " سبع سموات طباق" و " لا اقسم بمواقع النجوم " و ان له لموسعون" ما العجب في ركوب  جمل او بغلة او حمار ؟ و ما اجمل أن يبرك جمل هدّار و مستعصٍ يطوّعه راعي الهُجُنِ ليركبه ملك أو أمير أو رئيس في ساحة قصر مرتحِلاً أو في تفَقُّدٍ أو في حرب... سأبتاع كل جمال الجزيرةَ العربية و كل مكان فيه جمل سيكون لي فيه قدم. و أشتري كل بغال و حمير صعيد مصر و السودان و ما جاورهما و من شمال افريقيا أقتني كل الذي راث و نهق و هدر و ضحك ضحكة من انفرج همه و زال غمّه و استراح كالذي انفتح في وجهه باب أنهكه التعب يفتحه ، ثم أمسك هاتفا يريد ان يحادث خاصة خلاّنه و أقربهم اليه دهاء و حيلة   و أسرَعُهُم للربح في تجارة و أضيقهم في انفاق بكسب لا يعود.
انتقل الصّخب و الهرج و المرج من المساجد الى البيوت و الساحات و الشوارع و الأنهج العربية و تعلقت الأعين بالسماء تراقب شهبا عظيمة تنطلق من الأراضي البعيدة تحارب السماء و تسافر كالبرق في الفضاء و ذعر الناس يرون النجوم صارت كبيرة كالمباني من الارض تلاحق السماوات و تتزاحم . هل صارت الارض التي نعيش نحن العرب فيها فوق السماوات فاضحت تلك السماوات ترشقها من تحت بالشهب        و ترجمها بنجومها العملاقة.
احتار الناس العرب في كل معمورٍ و رملٍ و خرابٍ و ماءٍ و يابسةٍ فضجوا و ارتابوا و بكوا و ناحوا ومنهم من صار يرى  كأنّهُ معلّق من رِجليه يمشي على رأسه خاف تنكشف عَوْرَتُهُ إذا سحب الرأس اليه الإزار    و الجلباب فودّ لو خلقه الله بثلاث ايد ومنهم من أصابه الحول فلا يرى اتجاها. و منهم من كاد يصيبه الهبل و الخبل . و عاد علماؤهم الى بعض الكتب كَـ "كتاب الفتن" و " التذكرة" و "عذاب القبر " ظهرت  " الدّابة " في اليمن فزلزلت زلزالها. و صفائح النار احتكّت في الخليج فاشتعلت فدكّت الشّام فابتلعت منه ما ابتلعت.     و من " المتوسط " ثارت براكين فأحرقت ما جاورها و دمّرت. و الصحراء سَاءَ مَطَرُهَا . ومنهم من يقول : " بل ظهر المسيح في القدس و انه قد أحيا كل أموات العرب الصّالحين يُحارِبُ بهم الفاسدين في كلّ أرض عَربيّة. و منهم من أنطق اللّه لسانه ب:" إذا اردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترَفيها أن ...". و تراصّ النَّاس في "البقيع" و تعاركوا حول "الحجر" و فتح الرّبانيون كلّ الزوايا. و استنجد النّاس بحُفّاظ التمائم و الأذكار الصّوفيّة وتهافتوا على المنجّمين و المشعوذين، و راح الكلّ في هرج و مرج و كرب و إلتجؤوا من حيرة إلى محتارين إلاّ ذلك القائد الأعلى فقد كان مستبشرًا يقول:" سيصير ثمن الجمل الواحد بثمانين من جنسه، و البغل بستين و الحمار لا يهمّ بعشرين... و رغم اتّساعها و خلوّها و خلاّئها سوف يتحاربون فيها عليها    و لكن على ظهور البغال و الجمال و الحمير...".
و جاء رجل يسعى بلسانه لكنّه لا ينطق حرفا حَلْقيًّا يقول:" لقد عمل أهل الكفر و أفلحوا و قد اكتشفوها فَتقَاسَمُوهَا و رحلوا إليها. ترَكُوكم وحيدين في هذه و قد دمّروا كلّ ما انتجت عقولهم و عملت أيديهم... أليس عندكم ذلك في آخر سورة " الطّلاق ".
فبهت الذّي آمن و الذي للعلم ترك أوْ به كفر.
- أحمد بوقراعة -

قصيدتي ( ملك)  ملك lion ملك                                                 look at me                                             see me, o...