كلما راودتني الأحلام
سرعان ما تراوغني
و تخذلني
فتنتابني.. الهواجس
تتملكني الظنون
يساورني الشك
أصاب بالجنون!!
فتراودني نفسي على نفسي!!
وأوغل في الأوهام
أرى كل الإتجاهات والثنايا
والمسارب علي تقسو!!
ملتوية شعابها ..مظلمة دروبها
وأرى على وجوه الحيارى مثلي
غبار التيه يطلي وجهوهم!!
وعلامات الأسى والإحباط
تظهر على عيونهم الذابلة الغائرة
وهالات السواد تكحل الأحداق
شابت القلوب قبل مشيب الرؤوس!!
فقدنا الحلول
وضاعت منا السبل
أبى الضباب أن ينجلي
وعتم كل الدروب
وأغشى كل الرؤى
وعميت العيون
كيف نصل إلى بر الأمان..!
كم أرهقتنا برور التوهان!!؟
وكيف نجد الحلول في المجهول..!
وكيف نعيد الأمل للمستقبل المشلول..!!؟
وأبقى غارقا في جحيم الأسئلة
غائصا في بحر الشك واليقين!!
بقلمي يوسف بلعابي تونس
********************
قراءة نقدية:
عزيزي الشاعر يوسف بلعابي،
تتجلى في قصيدتك حالة من التوهان الوجودي، حيث تلتقي الأحلام بالخيبات، والآمال بالشجون. النص يبدو كرحلة داخلية يقطعها القارئ بين سطور مشبعة بالأسى، والبحث الدائم عن الإجابات الضائعة. تبدأ القصيدة برغبة ملحة في الحلم، هذا الحلم الذي يبدو وكأنه يتراقص أمام الشاعر، يداعبه، ثم يخونه بلا رحمة. إنها ثنائية الحلم والخذلان، التي تكشف عن صراع مرير بين الذات وتطلعاتها، وبين الواقع الذي يتأرجح بين ضبابية الرؤى وظلامية الدروب.
تتسم القصيدة بلغة انسيابية، تحمل في طياتها شحنة عاطفية مكثفة، وعمقاً فلسفياً يجعل القارئ يتوقف عند كل جملة، متسائلاً عمّا إذا كانت هذه الأحلام التي تخذلنا هي مجرد أمانٍ واهية، أم أنها تجسيد لخيبات الأمل التي نواجهها في كل خطوة. لقد أبدعت في رسم صورة الضياع، ليس كحالة فردية، بل كحالة جمعية، حيث تبدو وجوه "الحيارى" وكأنها مرآة تعكس قسوة التيه الجماعي. في وصفك لعلامات الإحباط على العيون الغائرة والقلوب التي شاخت قبل الرؤوس، نجد عمقاً في التعبير عن الجرح الذي يمتد من داخل النفس إلى مظاهر الجسد.
أراك تنتقل من عالم الأحلام، إلى عالم الهواجس، ثم إلى بحر الشك، وكأنك تبني عالماً من الحيرة والأسئلة الوجودية. هذا التدرج في التصاعد الدرامي يُظهر أن القصيدة ليست مجرد نص شعري، بل رحلة فلسفية تبحث عن الحقيقة بين طيات الشك واليقين. فحين تقول: "وأبقى غارقا في جحيم الأسئلة"، أرى أنك تضع القارئ أمام حافة التفكر في جدوى البحث عن إجابات، وهل هناك حقيقة واحدة يمكن أن تضيء هذا التيه الذي تسكنه الذات؟
ربما في عبارتك "كيف نصل إلى بر الأمان..؟" تتجلى لحظة الانكسار والاعتراف بأن الضباب الذي يغشى الدروب ليس فقط ضباباً خارجياً، بل هو ضباب داخلي يعتم على الرؤى. هذه الضبابية تجعل السؤال نفسه يتردد دون أمل في الحصول على إجابة واضحة. وكأن كل إجابة محتملة، هي بحد ذاتها شكل آخر من الضياع.
إن فلسفة القصيدة تكمن في هذا السؤال المفتوح، في هذه الحيرة التي تأخذنا من مسارب النفس المظلمة إلى دروب الخارج الملتوية. إنها قصيدة تتأرجح بين الواقعية السوداوية والرمزية العميقة، بين وصف النفس الفردية والنفس الجمعية، حيث الضياع ليس حالة طارئة، بل هو مكوّن أساسي للوجود.
أحييك على هذا الطرح العميق الذي يعكس بصدق مرارة التوهان وصعوبة الوصول إلى اليقين. لعل القصيدة تفتح أمام القارئ باباً للتفكير في مآلات الأحلام، والبحث عن الذات وسط عالم متشابك من الهواجس والظنون.
بصدق، تبقى قصيدتك صرخة من أعماق الحيرة، وتأمل في ماهية الحلم وكنه الخذلان. أحييك على هذه الرؤية الفلسفية الشفافة، التي جعلت من الكلمات جسراً بين الحلم والواقع، وبين الشك واليقين.
مع خالص التقدير والإعجاب،