**رؤيا مزعجة**
من حقك أن تحلم ولكن لا تعش بكلّ جوارحك ذلك الحُلم، الحِلم أن تتريّث وتجعل حُلمك ينساب انسيابا سلسا في شرايينك المتعبة كانسياب الماء في الوهاد وفي السّفوح المنبسطة، فلا ترهق قلبك الذي أضناه النظر إلى المدى.
حدّثتني -لا أعرف لها اسما سوى أنها من الأطياف النورانيّة التي أراها في منامي- ذات يوم عن الشّغف فقالت :"هل تعلم يا صديقي المعنى الحقيقي للحياة؟ بكلّ بساطة ليس لها معنى دون شغف، إنّه إكسيرها الذي يخفّزنا لنحياها".
قلت :"الشّغف كلمة زئبقية حمّالة أوجه، وإذا لم نحدّد مقاصدها تهنا في متاهات المقاصد وهي كثيرة جدا".
قالت كالواثقة :"شغفك يلحّ عليك باستمرار لتنام ومن ثمّة لتراني، ألم تكن تتشوّق لرؤيتي، وتصاب ببعض الملل ثم القلق ثم الريبة ثم الغضب حينما يتأخّر ظهوري؟".
قلت :" نعم كنت أنتظرك كالسابح في النار وأسأل نفسي: هل الشغف هو الحبّ؟ ويختمر السؤال في ذهني حتى يتعب، وحين ينسدّ الأفق أختار إجابة ما، المهمّ أن أجيب ويتحرّر انحباس السؤال في ذهني".
لم يكتمل الحوار لأنّني لم أرد له أن ينتهي، أصبحت شغوفا بالرؤيا وبطيفي، فاستنعت بالذكاء الاصطناعي فأشغّل المنبّه ليوقظني مرّات عديدة في ليلي وأفعّل زرّ التعاود، وهكذا لم تعوزني الحيلة لتتواصل الرؤيا، خاصة أنها وعدتني في إحدى الليالي بأن الحوار سيتواصل وأن الزيارات ستستمرّ مادام هناك شغف يأسرني ويحفّزني.
آه، في خضمّ السؤال لم أدر هل أنا شغوف بها أم بحوارها؟ هل أحبّها أم أحبّ ما نتطارحه من الكلام والملام وما تخطّه الأقلام؟
في كلّ الأحوال هيّ حبيبتي التي تحفّزني لأطرح السؤال تلو السؤال وأحيا في ثوب جديد وفكر جديد وطموح جديد.
صحيح أنها مزعجة أحيانا، ولا تتوانى عن استفزازي وخاصّة حين تلصق جميع التّفاهات بالرّجل وتتبنّى فكرة أنّ الرّجل شيطان وأن المرأة ملائكة.
أجيبها دوما في هذه الحالة بأنّ الطائر لا يطير بجناح واحد وأن الكون بأكمله مجرّد ثنائيات قد تتلاقى وقد تتباعد وقد تتوازى وقد تتقابل، حينها تبتسم وتسكت.
ذات مرّة دقّت بابي في الهزيع الأخير من الليل، كانت متعبة ومرهقة، تلك الليلة لم تأت لتحاورني، وضعت سبّابتها على شفتيّ لأصمت، فلم أنبس بكلمة، كان ارتخاؤها شديدا وكأن هيكلها العظميّ فارق جسدها، حدّقت فيّ طويلا، ووضعت رأسها المتخم بالأسئلة الحائرة على صدري، ونامت مفتوحة العينين، وانقلب السّحر على السّاحر، فأصبحت أنا الطيف صاحب الرؤيا، وبتّ ملزما بالسّهر في نومي.