السّنواتُ والأعوام بنهاراتِها ولياليها قادمةٌ ، عشراتٌ منها تتراكضُ ، بلمحةٌ من بصرِ،و"كأنّها أمسُ "، وستجدون أنّ ما يتبقّى من أهلِنا في فلسطينَ سيتكاثرونَ، وستكون أعدادُهم بالولادةِ أضعافَ من همُ صهاينةٌ محتلّونَ ، وعندها تكون الغلَبةُ "بالديمقراطيّةِ الغربيّةِ المتصهينةِ " لمن يخوضُ الانتخاباتِ النّيابّيَّةَ ليؤمّنَ فوزَه . فأبشروا يا قمّةُ عربيّةً وإسلاميّةً عُقدتْ في الرّياضِ عاصمةِ المملكةِ العربيّةِ السّعوديّةِ في الحادي عشَرَ من الشّهرِ الحادي عشَرَمن العام 2024 . تلكمُ أزمانٌ لأحفادِ أحفادِنا.. ولنا نحنُ التّحسُّرِ والأملُ المنقطع ِ.
إنّ كلّ ما قيلَ في زمانِنا بأنّ "ما أُخذَ بالقوّةِ لا يُستردُّ إلّا بالقوّة، هو كلامٌ هُراءُ، وأنّ القولَ الذي يدورُ على لسان العامّةِ ب"أنّ الحقَّ يضيعُ إذا لم ترافقْه القوّةُ "،هو قولٌ باطلٌ وليكن ديدنُنا ب"أنّ العينَ لا تُقاومُ المِخرزَ" . فنحنُ العينُ من المحيطِ إلى الخليجِ بأعدادِنا من بشرٍ وعدّةٍ وسلاحٍ ودونها الثّرواتُ ،ومعنا عينٌ أخرى ،وفيها ما فيها من قدراتٍ متنوِّعةٍ في كلٍّ من أفريقيا وآسيا . وسهلٌ على هذا المخرزِ الغربيِّ الاستعماريِّ أنْ يفقَأَهما ،فيكونَ العمى وتكونَ الغلبَةُ .
"بتبويسِ اللّحى إذًا". نوقفُ العدوانَ على بلادِنا ، فلا قتلَ ولا اغتصاب ، ولا مذابحَ أو تهجيرَ ،ولا حربَ إبادةٍ ، مع ما يرافقُها من تجويعٍ وقهر ليس له حدودٌ .ومن ذا يقتنعَ بأنّ الصّهاينةَ ،في ما يخطّطونَ لهُ ،ويعملونَ على تنفيذِه ،سيُقلعون عن قولِهم بإنّ المسجدَ الأقصى قد بُني على هيكلِ سليمان َ،فيجبُ أن يُقتلَعَ من مكانِه؟ وماذا لو أقتُلعَ الفلسطينيّون من أرضِهم في غزّةَ وفي الَضّفةِ الغربيّةِ ، ومن داخلِ أراضي 48، ليُيمّموا بالقوّةِ شطرَ سيناءَ في مصرَ ، وشطرَ الضّفّةِ الشّرقيّةِ من نهر الأردنِ ويضيفوا الجنوبَ اللُبنانيّ ، فيقيموا فيه مستوطناتٍ بعدَ أنْ يطردوا أهلَ جنوبِنا من قراهم ومن أرضِهم ؟ ويبقى الفلسطينيّون المُشتَّتون في الأقطارِ العربيّة ِ، أو غيرِ العربيّةِ،على ما همْ عليه ،لا يَعرفونَ لأنفسِهم وطنًا ،ولْينالوا جنسياتِهم من حيثُ هم يعيشون .
وتُقامُ الدّولةُ اليهوديّةُ العنصريّةُ، وما يٌقالُ عن قيامِ دولةٍ فلسطينيّةِ حدودُها ما كان عليه الوضعُ ما قبلَ الخامس من حزيران عام 67 ، وأن تكون القدسُ الشرقيّةُ هيَ العاصمة ، ليسَ إلّا أضغاثَ أحلامٍ ،لا تُغني ولا تُسمنُ من جوع ٍ.
وكأنّ "تبويسَ اللّحى "لم يفعلْ شيئًا ..فيا ضيعةَ تلك القُبلاتُ التي تبادلتْها وزيرةُ خارجيّةِ أمريكا كونداليسا رايس ،في العُشْرِ الأوّلِ من هذا القرنِ، مع رئيسِ الحكومةِ اللّبنانيّة ِالأسبقِ وهي تقولُ له : هيّئوا أنفسَكم سيكون لبنانُ هو مفتاحُ الشّرقِ الأوسط ِالجديدِ . والشرقُ الأوسطُ هذا لم يقمْ ، وكانت قيامتُه تكمُنُ في إعادةِ بنائِه على دويلاتٍ إثنيةٍ طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ تتناحرُ وتتقاضى ، وقد حدّدتْ أمريكا آنذاك سبعَ دولٍ عربيّةٍ كان يُعملُ على تقسمِها من أجلِ هذا الغرضِ ، ليكونَ القاضي هو الكيانَ الصُّهيونيَّ المتربّعَ على عرشِ القيادةِ الشّرق أوسطيّة . ورغمَ الدّموعِ التي هطلتْ من عينَي المسؤول ِاللّبنانيّ وقولِه: "إنّنا بالدّبلوماسيّة نستعيدُ تلالَ كفرشوبا ومزارعَ شبعا وما تبقّى من بلدةِ الغجرِ ونشلِّحُها للعدوّ الصّهيونيّ . ما زالتْ أراضينا تلك محتلّةً وستبقى ما هطلتِ الدّموع .
وأيُّ مِخرَزٍ قد فقأَ عيونَ أهلِ بدْرٍ ،وأهلِ اليرموكِ مع أهل القادسيّةِ ،وعينِ جالوتَ وحطينَ ؟ وأيُّ مِخرَزٍ يتجرّاُ أن يؤذيَ عينَ شعْبٍ أرادَ أن يتحرّرَ من استعبادٍ واستعمارِ ؟ سلوا التّاريخَ قديمًا وحديثًا ،شرقًا وغربًا ترَوا أنّ البنادقَ هيَ التي تتكلّم والحاملونَ لها هم الرّعاةُ والقادةُ في استرجاعِ الحقوقِ ونيلِ الحرّياتِ . ولو أردْنا أن نُحصي الحروبَ التي تحدث عنها التّاريخ فعلينا بالمجلّدات . وفي هذه الحروبِ برزَ قادةٌ كبارٌ حققوا انتصاراتٍ جلّى ،وبرّزوا بهممِهم وحسنِ أدائهم ،فصاروا رموزًا على مرّ الأجيالِ والأيّام .. ولكنْ بغيرِ سياسةِ تبويس اللّحى .
وقمّتُنا العربيّةُ الأخيرةُ أسرّتنا بأن التمّ الشّملُ عربًا وإسلاميين ، رؤساءَ وملوكًا وأمراءَ ، والهمُّ قضيّةُ فلسطينَ ، وما لها من تداعياتٍ ، كان عليهم أن يدرسوا آثارَها وشؤونَها .غير أنّ المريبَ أن تكون القممُ العربيّةُ عقِدتْ لتبويس اللّحى كي يُصارَ إلى إعطاءِ الفلسطينيين حقّهم في أرضهمِ ومقدساتِهم فتصيرَ القضية صراعًا بين هؤلاء فقط والكيانِ الصّهيونيِّ ،وما القمّةُ إلّا واسطةٌ ... وهيهاتَ .