يجد القارئ في كتب اللغة العربية القديمة ظاهرة النحت ووظيفته وهي وظيفة تقوم على مبدأ الاختصار للكلمة. فالنحت كما عرف عند الفصحاء والنقاد القدامى أن تؤخذ كلمة متكونة من لفظين أو أكثر وتنحت أي ينحت جميع ألفاظها بأن يؤخذ من كل لفظ على قدر ما يبقي منه على مجموع اللفظين المنحونتين يفهم مختصره على نحو حي على تنحت حيعل الرجل أي قال حي على ، وكذلك إذا كانت الكلمة مكونة من ثلاثة ألفاظ أو أكثر على نحو لا حول ولا قوة إلا بالله تنحت ونقول حوقل الرجل . ما يفهم من تعريف ابن فارس ( ت٣٩٥) هو إنشاء كلمة مختصرة من لفظين أو أكثر يفهم من ذلك المختصر ما كان من معنى للأصل . وهذا ما عقدوا عليه علمائنا الأفاضل بأنه الاشتقاق الكبار . ويجب أن نفهم لماذا كان النحت في العربية وما هي وظيفته ، إن كان من أحد موضوعاتها الجليلة ، أم جاء من استطراق أحد العلماء فاصبح موضوعا له مريديه وطالبيه في الكتابات الإنشائية القديمة وعدم اكتراث المعاصرين لهذا الموضوع المهم .
أهمية الموضوع في تحديد نوعه هل هو من موضوعات العربية الأصيلة أم موضوع وهمي استطرق من قبل علماء اللغة ، ولماذا لم نجده في كتابات المعاصرين كلها اسئلة لابد من الأجابة عليها ؟
قبل كل شيء يجب أن نفهم الكلمة التي يجب أن تنحت أم النحت يشمل جميع ألفاظ اللغة ؟
اللغة العربية تتكون من كلمات ، وألفاظ ، وألفاظ معاني ، ومعنى حقيقي ، ومعنى المعنى . هذا ما نطق به الجاحظ وفسره عبد القاهر الجرجاني وشرحه الإمام السيوطي في الاشباه والنظائر فذكر كلمة الحمدلله ومقطعها الصوتي ، أما هنا فندرس الكلمة من الناحية اللفظية ومعناها وهل نستطيع من فهم المعنى نجري عليها عملية النحت أم لا ؟.
النحت لا يمكن أن يكون إلا في كلمات اللغة ، أي النوع الأول منها ما كان توقيفي جاء مع اللغة وجميعه أخذ من الكتب السماوية أو من سنة الأنبياء المرسلين ، والقسم الثاني ما كان وضعي من قبل الإنسان وأغلبه يأتي من اسماء الأشخاص .
ونستعرض هنا ما كان توقيفي كي نتبين من حقيقة وظيفة النحب هل هي لغوية أم وضعية من قبل الإنسان ؟
بسم الله الرحمن الرحيم / البسملة.
الحمد لله / الحمدلة.
لا إله إلا الله / الهيللة.
لا حول ولا قوة إلا بالله / الحوقلة.
سبحان الله / السبحلة.
حسبي الله / الحسبلة
ما شاء الله / المشألة.
سلام عليكم / السمعلة..
الله أكبر / التكبير
الكلمات الوضعية من قبل الإنسان
أطال الله بقاءك / الطلبقة.
أدام الله عزك / الدمعزة.
جعلت فداك / الجعفدة
عبد شمس / عبشمي
عبد الدار / عبدريّ
عبد القيس / عبقسي
لو تتبعنا النحت في جميع الكلمات لوجدناه غير منتظم فمنها لا يعتمد على الأصوات بل يتبع تراكيب حروف اللفظ نفسه ما يجوز حذفه وابقاء ما يدل عليه من حرف أو حرفين فكلمة بسم الله الرحمن الرحيم لها ميزة صوتية مع نغمتها المعروفة لدى علم الأصوات ونجد نحتت على البسملة مع اضافة تاء التأنيث أخرها وهذا ما وجدناه في اغلب الالفاظ التوقيفية التي وصلتنا سماعيا ولا يمكن لعالم أن يذكر إنه نحت لفظ توقيفي .
أما الكلمات الوضعية التي تعارف عليها الإنسان من خلال تسمية الأشخاص بها نحو عبد شمس فأراد الإنسان الأختصار على نحو ما جاء في الكلمات التوقيفية فقال عبشمي وكل لفظ وضعي نحته غير منتظم أيضا لا هو صوتيا ولكنه اختصار لفظيا مع إضافة ياء النسب فنقول عبشمي .
ويتبين لنا إن النحت أحد موضوعات اللغة العربية الأصيلة وإن النحت موجود فيها وبقدمها ومما يدل على ذلك وجود الصلاة على النبي التي جاءت مع نزول القرآن الكريم ولم يستطع أي عالم أن يضع لها اختصارا أي نحتا كلمة صلى الله عليه وسلم لا يمكن نحتها لأنها دعاء فرضه سبحانه علينا في كتابه الكريم ونجد جميع المسلمين تستخدمه في الصلاة على النبي بكلمتها الصريحة فلا يمكن كما جاء في كتب الأقدمين أو المحدثين أن نقول صلعم أو أضافة ( ص ) بعد قولنا رسول الله فهي لا تمثل النحت من جه ومن أخرى ليست بمختصر وإنما وضعت بإتفاق العالم مع تلامذته والله أعلم وقد جيز بعض العلماء استخدامها كتابة في البحوث اللغوية لا قراءة فأبعدوا عنها المبدأ الأخلاقي والشرعي .
وقد أوعظتنا هذه الإلتفاته إلى التوضيح مما جاء في الكلمات التوقيفية التي يجوز فيها النحت التي لا يمكن أن نسبح لله بقولنا السبحلة أو في التهليلل لا اله إلا الله نقول الهيللة فهذا النحت وجد في النقل للحديث أو عند الكتابة في الاستعجال ولا يستخدم النحت في الحديث التعبدي أو الحديث التعليم الديني يجب ذكر الكلمات بشكل صريح وكامل ؛ ويبقى النحت للموضوعات الأدبية فقط .
وقد تنبهنا هنا لا يجوز على الأطلاق نحت ألفاظ اللغة أي لفظ مستقل مثل اصدقاء وأخر لفظ أخر مستقل مثل أعداء فيتوهم الأديب ويخيل إليه إنه كون كلمة ( الاصدقاء الأعداء ) فننحت اللفظين الذين لا تجمعهما كلمة فنقول ( الاعدقاء ) وهذا الأمر وجدته عند أحد الشعراء الكبار كما ذكره أحد النقاد الكبار فلا أعرف كيف وصل إلينا النحت وفهمه من خلال الألفاظ لا الكلمات وقد تبين من خلال الدراسة الموجزة إن النحت يكون في الكلمات لا الألفاظ سواء هذه الكلمات توقيفية أم وضعية .
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
