عـنوان اللوحـة :
”إضاءات حـول المـرأة الأمـازيغـية القـروية“
لوحـة واقعـية تسلـط الضـوء على حـيـاة المـرأة الأمـازيغـية القـروية
ممـا يدفعـنـا إلى طرح سـؤال يفـرض نفــسه بقـوة
هو كيف استطاع التشكيلي نصـر الـدين أن يعـبّر عـن المـرأة الأمـازيغـية والعـادات والتقـاليد والمجتمـع القـروي بـالغمـوض والوضـوح بـالتبـاين
أليسـت دلالات الألـوان لغــة مجـردة مقـروءة تتعـدّى الثقـافـات، وبـالتـالي وجـب فـكّ شفـرتهـا انطلاقـا مـن اللوحـة ؟
مـا نشـاهـده .. ثـلاث شخصيـات نسـائيـة بِـزيّهـن التقلـيدي الـذي يـوحي لبيئـة قـرويـة واقفـات بجـانب بعضهن البعـض في مكـان بسـيط
وفي الخلـفـية يتـراءى لنـا [ بيـت طيني ] بلـونـه التـرابي الطبيـعي يتجـانس مـع بـاقـي مكونـات البيئـة
ممـا يعـطي انطبـاعـا بـأن كل شـيء في المـرأة القـروية الأمـازيغـية / أصيـل
لبـاسهـا، وقـارهـا، نظراتهـا، تعـبيرات ملامحـهـا، ميـلان رأسهـا نحـو كتفـهـا
ولِنقـل الشعـور والموضوع، أسقـط التشكيلي الضـوء في أقـصى يمـين اللوحـة مبـاشـرة على وجــه المـرأة، بطريقـة بـارعـة لِشـدّ ٱنتبـاه الـرائي إلى ملامحـهـا التي تتجـاوز الشيخـوخة التقلـيدية
لنكون أمـام تجسـيد للزمـن الـذي يتسلّل إلينـا بمـآسـيه وآلامـه العمـيقـة
لِتظهـر لنـا /أُمّـان/ ملتفـتتـان لجـهـة اليســار
حيث رسـم التشكيلي الوجـه مـن جـانـب واحـد، كأنـه يظهـر لنـا نصف الحقيقـة، لأن المشاعـر تظهـر في ملامـح الوجـه مـن حـزن وفـرح وغضـب
المشهـد على بسـاطتـه ينطـوي على جـرعـة لطيفـة مـن عـاطفـة الأمـومة والحـب والحنـان والعطـاء مـن الأم نحـو طفلـهـا الـذي تحملـه على كاهلـهـا، وكأنهـا حـاملـة أعـبـاء الحـيـاة
مـاهيـة الشعـور نستشفـهـا مـن أجـواء المشهـد
التشكيلي نصـر الـدين يجعـلنـا أقـرب إلى سبـر أغـوارهـا النفـسيـة والسيكولوجـية
فهي رمــز للشـرف والكفــاح والصمـود والصبـر والوقــار والعـفّــة
هي معـادلـة للحـيـاة، حتى وإن أوحــت ملامحـهـا بالفقــر والأمـيّة والتهمــيش
ومـن أجـل أن يُزاوج بين إرهاصاتهـا، اخـتـار الألـوان التـرابيـة الغـامقـة والفـاتحـة في الـرداء، وفي الأرضيـة وجـدران البيـت
كونهـا المـرأة القـروية لا تـزال تعـيش غمـوضهـا، وتحـمـل بين طيـاتهـا كل الارهاصات المجتمعـية، بسبـب عبـودية الأعـراف والتقـاليد البـاليـة، التي تجعـل مـن المجتمـع أن يكون ذكوري التوجـه
وليقـول لنـا التشكيلي : لا زالـت المـرأة القـروية أسيـرة بيئَـتهـا
مجـسّدا فيهـا (الخجـل، الحـيرة، التـردد، الصمـت والخـوف الكامـن في الـذات)
فضـلا عـن ٱستخـدامـه القلـيل مـن اللـون الأبيض في الـرداء ليعـطي للمـرأة قلـيلا مـن الحـيـاة في اللوحـة
فألـوان الزيـت البنّيـة القـاتمـة والفـاتحـة خـدمـت التشكيلي كـثيرا في توظيـف الظـل والنــور، لقـد أعـطى كل جـزء حقـه في اللـون والتفـاصيل
فالتـرابي الفـاتح أعـطى اتسـاعـا للمكـان،
الإضـاءة تنسـاب في ثنـايـا المشهـد، استخدمهـا التشكيلي كي لا يشعــر الـرائي بوجـود جـوّ كئيـب في اللوحـة، ممـا جعـلهـا أكـثر واقعـية
سيطرة العنـصر النسـوي على اللوحـة، يُجسّـم مـدى ارتبـاطه العـاطفي الـدافئ بالمـرأة الأمـازيغـية بـالخـصوص، وتعلـقـه الشـديد بالتـراث الأمـازيغي التلـيد
فالمـرأة هي أصـل الحـيـاة ومنبعـهـا، على اعتبـارهـا أكـثر محـافـظة على المـوروث الأمـازيغي، فهي المتمسكة بنـوع ردائـهـا التقلـيدي المتـوارث عـن الأجـداد
[ وربمـا المفـروض عليهـا جـبـراً ]
إبداعـه يحـوّل اللوحـة إلى روايـة
جعـلنـا التشكيلي نعـيش لحظـات تـأمـل ومـودة نستعـيد بهـا ذكـريـات وتـاريخ الأجـداد، لأنـه شـديد الإهتمـام بالتـراث الأمـازيغي، مستوحيـا جـل موضوعـات لوحـاته مـن هـذا التـراث الثـري الـذي يحمـل ملامـح تـراثيـة
فصـورة المـرأة الأمـازيغـية تحضـر في مجمـوعة مـن منـجـزاته, متّخـذا منهـا (أي المـرأة الأمـازيغـية) مدخـلا لمنـاقشـة قيـم الحـرية والـذاتيـة والإستقـلالية، لإنشـاد مجـتمـع الحـداثـة والتقـدم
لذلك تستحـق إنجـازاتـه الإبـداعـية الإحـتفــاء والثنــاء والتشجـيع.
قـراءة نقـدية : فاطمـة لغبـاري