قصة قصيرة
9/1/2025
اعتاد سمير أن يسمع دعاء أمه كل صباح وهي تودعه وهو ذاهب إلى عمله وهي تمتم بكلمات تعيدها دائما، ربنا يصادفك بابنة الحلال الصالحة يا حبيبي...
كان هاجس أم سمير أن تفرح بابنها. لأنه وحيدها، وتتمنى أن ترى أحفادها قبل أن تغادر هذه الدنيا الفانية.
بنات الحلال عديدات اللواتي يحمن حول ابنها، قريبات له، صديقاته من أيام الجامعة، وموظفات معه في العمل، وغيرهن...
سمير يشبه الضوء الذي يجلب الفراشات، لكنها سرعان ما تصطلي به، فتهرب ولا تحاول الكرة. كان جافا معهن. لا يمن عليهن حتى بإبتسامة ترضي قلوبهن العطشى للحب والزواج...
هو ذو مركز مرموق في المصرف، رئيس قسم وحاسم بالعمل...وشخصية متوازنة، قوية، وصارمة.
مشكلته عازف عن الزواج، هو ذاته لا يدري لماذا لا يهتم بهذا الأمر ولا يبحث عنه...رغم أنه شاب مقتدر مادياً وقد تجاوز الخامسة والثلاثين في أجندة العمر...
هو ذاته لم يكن يعرف سبب عدم رغبته في الارتباط.
أمه كان هاجسها أن ترى أولاد ابنها يملؤون البيت قبل أن تطلبها السماء... وسمير كان يقول لا تهكلي هما يا أمي: لا بد سيأتي النصيب يوما...
الصيف الماضي، ارسل المصرف فريق عمل إلى اليابان بشأن تدريب بعض العاملين على أجهزة الحواسيب الجديدة التي تعاقدوا على شرائها لتطوير النظام المحاسبي بالمصرف.
طار سمير وثلاثة موظفين مرافقين على متن طائرة فخمة، لاجل الصدف، كانت فتاة جميلة تجلس على الكرسي المجاور بجانب سمير.
هاله جمالها، عيناها الخضراوان، شعرها الاشقر الناعم المسدل على كتفيها يظهر جمال وجهها ورقة انوثتها.
كان سمير يسرق النظر اليها، ويفكر كيف يبدأ الحديث معها.
جاءت مضيفة الطائرة لتقدم لهما واجب الضيافة.
سألت المضيفة الشابة عن نوع المأكولات التي تحبها. فأخبرتها طلبها. وأعادت المضيفة السؤال على سمير، أجاب فوراُ ذات الطبق الذي طلبته جارتي.
ضحكت المضيفة، وضحكت الشابة، وضحك سمير ،وكانت تلك فاتحة تبادل الحديث باللغة الانكليزية...
الشابة من الدانمارك تعمل في اليابان. تحادثا في أمور كثيرة متعددة وتناولا وجبة العشاء، وهما غارقان في الحديث والضحك ، والطائرة لا تزال في طريقها إلى طوكيو.
أصدقاء سمير كانوا يراقبونه، و أثار انتباههم بان سمير ولأول مرة يحادث فتاة وهو بهذا الإنسجام والمرح...
هبطت الطائرة على مدرج بكين. نهض الركاب يغادرون .
كذلك سمير ونينا نزلا من الطائرة، وبعدما تجاوزا مكتب مشاهدة الجوازات، وأخذا حقائبهما...
نينا طبعت على خد سمير قبلة وداع وقالت اسعدتني معرفتك... ودعا بعضهما البعض كأصدقاء طريق، وذهب كل لحاله.
لام أصدقاء سمير صديقهم. كيف لا تواعد الفتاة ولم تأخذ رقم هاتفها. أو عنوانها وقد لاحظنا جميعنا اهتمام أحدكما في الآخر.
أجاب سمير. وماذا يفيدني عنوانها، هي من الدانمارك وأنا من سورية؟ أخشى أن يتطور الإعجاب إلى مشاعر أكبر وتصبح مشكلة الابتعاد مؤلمة.
في اليوم الثاني ذهب فريق العمل السوري الى المؤسسة المرسلين اليها...استقبلهم مدير الشركة بكثير من الترحاب وقام بتعريفهم على الشركة. وأجهزة الكومبيوترات والروبوتات المذهلة...كان الجميع منبهرين من الحضارة اليابانية، واستخدام التقنية الإلكترونية في مجالات العمل...
سأل احد الموفدين مستفسرا، معمل ذو انتاج كبير يبيع انتاجه الى العام كله، ولا أرى موظفين عديدين عندكم؟
قال المدير: عندنا آلاف الموظفين المتخصصين في البرمجة يعملون في منازلهم موزعين في جميع أنحاء اليابان، وخارج اليابان نتواصل معهم عبر الانترنيت ويتقاضون اجورهم حسب الأعمال التي ينفذوها حسب طلبات الشركة.
أغلبهم من السيدات الراغبات العمل في منازلهم لوجود أطفال صغار في بيوتهم...
سأل سمير ما هو سر تفوق اليابانين في الأعمال التكنولوجية والإلكترونية...
قال المدير، الأخلاق اولاً، ثم احترام العمل...واحترام الآخرين...في اليابان مائة وستون ديانة واهمها الشنتو والبوذية يتعايش الجميع مع بعضهم البعض ويحترمون بعضهم البعض ولا توجد عندنا مشاكل في هذه الأمور...
عندنا الغاية الأعظم في مجتمعاتنا سيادة الوطن، علم واحد يجمع الأمة. الوطن للجميع، والقانون فوق الجميع. والدين ملك اصحابه، ولهم حرية العبادة الكاملة كيفما يشاؤون ، واينما يشاؤون...ويمارسون الشعائر الدينية التي هم يختارونها دون أن يحق لأي كان انتقاد أي كان...
قال مدير الشركة ها قد وصلت نينا، تعالوا الآن سأعرفكم على مديرة القسم التي ستقوم على تدريبكم على الاجهزة الجديدة.
عندما دخلت المدربة، الجميع صفقوا ترحيباً، وتقدمت هي نحو سمير وقبلته بسعادة...
صاحب الشركة اندهش مستغربا ما سر هذا الترحاب في سمير... ومن أين تعرف السوريين.
اكتملت فرحة سمير عندما عرف بأن نينا تنزل بذات الفندق الذي ينزل فيه السوريون.
لا يمكن للكلمات أن تصف جمال تلك الأيام التي كانت من أجمل أيام العمر، وخفق قلب سمير خفقات لم يعرفها قلبه أبدا، وعرف بأن النصيب جاء يطرق باب حياته...
وقال لم أكن اعرف بأن الحب جميل جدا هكذا...
عندما انتهت أيام الدورة ، جاء السوريون يودعون مدراء الشركة. لكنهم استغربوا بأن نينا كانت مع فريق السوريين المغادرين
قالت لهم أنا سأكون حيثما يكون زوجي حبيبي.