[ هيمـنـة العقـلية الذكـورية ]
# حـين نتـأمـل الأعمــال الفـنيـة ليوسـف الكرتيلي، نـراهـا مفعـمـة بالغمـوض والتعقــيد !
فهو ينطلـق في رسـومـاتـه من خـلال [ الإيحــاء والإشـارة ] واستخـدام الرمـز، ويقـوم بـإطـلاق كل مـا هو مكبـوت من الأفكـار والتصـورات الخـيـاليـة وسيطـرة الأحـلام، ليترك اللوحـة مبهـمـة ومطلقـة لكل القـراءات...
اللوحـة التي أمـامنـا، عبـارة عن تحفـيز هـائل للعـقـل، ممـا يجعـل النـاظر في ذهـول تـام.
|| بورتـريه سريـالي || لوجـه ذكـوري، محـيطة بـه مجمـوعة من الوجـوه الأنثـوية، بينمـا الخلـفـية مبهـمـة، لكن بإضـاءة وظـل واضحـين، حيث استخـدم فيها يوسـف اللـون (الأخضـر) بتدرجـاتـه القـاتمـة التي تشيع الكـآبـة في أرجـاء اللوحـة، والذي يرمـز للطبيعـة والأنـانيـة.
عـلاوة على استخـدامـه اللـون (الأبيـض) المستمـد من درجـات وتـأثيـر اللـون الأخضـر القـاتم في الوجـوه، لتسليط الضـوء على موضوع اللوحـة.
اعتمـد على لـونيـن فقط (الأبيـض والأخـضر القـاتم) ليمـنح عمـله سمـة الغمـوض والعمـق البصـري.
من خـلال المشهـد، نلحـظ (أحـبـال سُـرَر) متصلـة فكـريا بين العقـلية الذكـورية والعقـلية الأنثـوية.
الفـنـان هنـا لم يجعـل (الحـبل السُّـري) رابطـا بين جسـدين، بـل طريقـا للأحــلام.
|| الدلالات النفـسية ||
تعـبيرات الوجـوه الأنثـويـة تحمـل لمحـات من الاعتراض والتعـاسـة والانكسـار، يبـدو ذلك في نظـرات الأعـين.
كمـا أن الأفـواه في مجـملهـا جـاءت مفـتوحـة // فهي تعكس الثـرثـرة والإنفعـاليـة.
من هنـا يمكننـا القـول أن (العقـلـية الذكـورية) تترافـق مع عنـف فكـري لتمسـك بزمـام كل شـيء.
لأن ((العقـلـية الذكـورية)) هي موقـع القـوة / السلطـة / السيطـرة / القـيـادة / العـدوان / الحـزم / الإقـدام / الإستقـلاليـة / الطمـوح / وتستـدعـي (الخضـوع)
فالذكـورة صفـة طبيعــية، مرتبطـة بالفـطرة والغـريزة، ممـا يجعـلهـا أمـرا لا يمكـن تجـنبـه أو المسـاومـة علـيه.
وممـا يجعـل التمـييز مقـبولا، بـل وغـير قـابـل للتغـيير.
لأن العـلاقة بين الرجـل والمـرأة هي عـلاقة هيمــنة موجـودة في جمـيع مجتمعـات العـالم.
ويبـقى الرجـل هو أول من خُـلق، ثم أتـت المـرأة جـزءاً منـه.
الرؤيـة المركـزية تفـرض نفـسهـا كأنهـا محـايـدة، وأنهـا ليست بحـاجة إلى أن تعـلن عن نفـسهـا في خـطب يهـدف إلى شرعنتهـا.
إذن، فمصلحـة الرجـل في الحفـاظ على السيطـرة / ومصلحـة المـرأة في مقـاومـة هذه السيطـرة.
|| فلسفـات الإخـتلاف || تؤكــد على مفهـوم الإخـتلاف الطبيـعي، وليس الضـدي.
أمـا هـيمـنة (الذكـورة القـامعـة) أيـا كان مصدرهـا، رجـلا كان أو امـرأة، فهي مرفـوضة، لأنهـا تحـمل صفـة سلـبية.
فالهيمـنة الذكـورية مفـهوم يخـتصر واقـعـا قـائمـا لا يسـاهم فيه الذكـور فقط، وإنمـا الإنـاث أيضا وبشكل لا واعٍ.
في الخـتـام، يمكن اعتبـار [ الفـن السريـالي ] تعـبيري تلقـائي، يسـعى إلى إطلاق الخـيـال الجـامح للعـقل البـاطن، لإنتـاج أعمـال مدهشـة وغير متوقعـة.
وبكـونه تجسـيد فـني أدبـي لأفكـار منهـج "فـرويـد" رائـد التحـليل النفــسي القـائـم على العـالم البـاطنـي اللاشعـوري، والـذي يرمـي إلى تفـسير كثيـر من الأمـراض النفـسيـة والإنحـرافـات السلـوكيـة، ويتفحّـص العـقــد النفـسيـة المتـرسـبة في أعـمـاق اللاشعـور، والتي تعـمـل في ظـلام اللاوعـي.
ولهـذا لا تخـرج اللوحـة السـريـاليـة بوحـدة الموضـوع، بـل بموضوعـات عـدة تقـبل تفسـيرات لأي محـتوى يـراد مـنه.
لأن الأشكـال والرمـوز المطروحـة في اللوحـة تشبـه الأحـلام (أحـلام اليقـظة - أحـلام الذهـن أثنـاء النـوم) والهلـوسـة والجـنـون.
يجـري فيهـا تدفّـق تيـار اللاوعـي، وتتخـلّلهـا صحـوة من الـروح والإلهــام.
ولهـذا يتجـلى إبـداع واهتمـام الفـنـان يوسـف الكرتيلي بالعـالم البـاطـني وهذيـان الـروح والهـلاوس والأحــلام.