mardi 14 janvier 2025

الثلج الحار
ق.ق.. 14/1/2025
 كانت كريستينا تراقب هطول الثلج الساقط بتثاقل كالقطن المندوف، سكون ثقيل يخيم على كل مكان... الدنيا تلونت باللون الأبيض، أحيانا تشق الشمس الغيوم لحظات اشتياقا للأرض، لكن الغيوم تتسارع لتسد منفذ الشمس. وتستأنف هطولاتها الثلجية... 
بات كل شيء في حلة جديدة، حتى أشجار الصنوبر دائمة الخضرة، ارتدت ثياب زفافها الأبيض، كذلك أسطحة المنازل القرميدية، غطتها طبقة سميكة من الثلج، ومن أطراف السطوح، تدلت نوازل إلى الطريق، تشبه حبات الماس الثلجية المتشابكة مع بعضها.
تلك السنة كثيرا ما كان بدرو زوج كريستينا يعتذر عن الحضور للبيت ... تختل اعذار كثيرة مختلفة أخرى...هي كانت وحيدة في المنزل، تتمنى أن ترى أي انسان في الشارع لتشعر بان الحياة لا تزال بخير في ذلك الجو الصقيعي.
تذكرت أهلها وسعادتها في حضن العائلة، كانت السعادة تغمرها بينما اليوم، الضجر يسئمها ويحطم كل ما هو جميل في حياتها.
ما فتئت تذكر عندما جاء بدرو يطلب يدها بعد سنوات الحب الجميلة
كانت هي طالبة في كلية هندسة الديكور، وتعرفت على بدرو الذي أخبرها بأنه ذو منصب مسؤول في أحد الفنادق... 
رفض أبو كريستينا استقبال بدرو بعدما استعلم عنه وعرف بأن عمله في الفندق وضيع، لا يتناسب مع صبية جميلة، ومن عائلة مرموقة، متعلمة مهندسة ديكور...
عارضت كريستينا أبويها بشدة عندما رفضا العريس المتقدم لها... وهي أصرت الارتباط مع حبيبها، تركت المنزل وهربت مع بدرو وساكنته بدون زواج كنسي أو حتى مدني، لأن بدرو اقنع كريستينا أنهما لا يحتاجان إلى عقود من أي نوع كان، الحب الذي يربطهما أقوى من أي وثيقة كنسية أو قانونية يكتبانها...حبهما هو الوثيقة الأقوى غير القابلة للطعن...
مرت سنتان على زواجهما، وهما سعداء مع بعضهما البعض...
بدرو لم يكن يسمح لزوجته أن تعمل في أي مكان، كان يقول لها أريدك دائما في المنزل، أنا أوقاتي في الفندق تتغير من يوم إلى آخر، مرة في الليل، ومرة في النهار واحياناً في الليل والنهار... وضعي المالي جيد، تعويضات الفندق سخية وكافية، وكان يخجل القول إنها إكراميات الزبائن، لذلك لا حاجة لأن تعملي البتة...
هذه الأيام طال غياب الزوج عن البيت، والأسباب غالبا واهية، مرت خمسة أيام لم يحضر بدرو للمنزل.وحتى لم يهاتفها.
طفح الكيل وقررت الذهاب لتزور زوجها بالفندق، علما بأنه قد منعها قطعيا من زيارته، حملت معها باقة زهور حتى تفرح قلبه، لكنها فوجئت بأمر لم تكن تتوقعه اطلاقاً، عرفت بأن زوجها ذهب بإجازة زواج، هو على علاقة بامرأة ثانية يساكنها، وهذا سبب تغيبه عن بيته وعن عمله، أصابتها نوبة من التشنج والبكاء المر... 
أقسمت بألا تعود إلى البيت. لكن أين تذهب؟ هي على علاقة سيئة مع أهلها بعدما تركتهم من أجل رجل رفضوه بشدة، والآن كيف تقابلهم وتصالحهم...
 كانت تجهش بالبكاء وهي تسير بلا هدى 
شاهدت كنيسة مفتوحة، دخلت إلى تلك الكنيسة، جثت امام تمثال العذراء تتوسل إليها والدموع تتساقط من عينيها وترجوها أن تساعدها.
راهبة كانت في الكنيسة ربتت على كتف الشابة وسألتها سبب بكائها.
روت للراهبة قصتها مع زوجها. أحست الراهبة بعذابات كريستينا... فطلبت من رئيسة الدير استقبال كريستينا لأنهم هم بحاجة إلى مهندسة ديكور لتعيد تجديد ديكورات مدرستهم... 
كريستينا رفضت أن تعلم بدرو مكان وجودها، ومكثت في دير الراهبات معززة مكرمة و ويوما بعد يوم بدأت الحياة تسري في حياتها وبدأ الصقيع في أعماقها يذوب ليحل محله بعض الدفء...
أعمال الديكور الرائعة في مدرسة الراهبات، لفتت نظر الأهالي،وبناء على طلب منهم سمحت رئيسة الدير لكريستينا تنفيذ اعمال ديكورات في بيوت طلاب المدرسة، كانت هي بدورها تتبرع بكافة الاموال التي تكسبها إلى صندوق الراهبات، لرد بعض الجميل على استضافتها ومعاملتهن الرائعة معها،
 تلك السنة تقاعد طبيب تلك المدرسة، فتعاقدت رئيسة الدير مع طبيب شاب، ابن عائلة مرموقة، منذ البداية اعجب الشاب الدكتور بمهندسة الديكور وجمال أعمالها. وهي أحست بأن قلبها بدأ ينبض من جديد وخاصة عندما تتشابك نظراتهما. و أحست بأن حبا جديدا بدأ يسكن قلبها..،
الطبيب الجديد طلب يد المهندسة للزواج. قامت الراهبات بمصالحة كريستينا مع أهلها وطلبوا من الشاب أن يطلب يد الصبية من والديها... 
أقامت الراهبات إكليل زواج كنسي لم تعرف المدينة بجماله، كانت فرحة أهلها كبيرة وفرحة العروس بأهلها لا توصف.وناس كبار من أهالي البلد شاركوا في العرس.
ذهب العروسان شهر عسل إلى فندق في مدينة جبلية ساحرة، فوجئت كريستينا بأن بدرو هو المكلف بحمل حقائب الزبائن إلى غرفهم، بدرو لم يتجاسر حتى النظر إلى من كانت زوجته يوماً، هي سالت دموعها وقالت لزوجها هذا هو بدرو المسؤول الكبير، وأعطته إكرامية، أخذها وخرج مسرعاً...
سألها زوجها كيف تعطيه إكرامية بعدما جرحك عميقا...
قالت الزوجة: يكفيه عقابا حمل حقائبنا، ويكفينا قدرتنا على العفو عند مقدرتنا لأنه فضيلة... 
فتحت كريستينا مكتبا لهندسة الديكور في المدينة . ونتيجة أعمالها المميزة نالت شهرة واسعة، وخصصت جزءا من أرباحها مدى الحياة إلى دير الراهبات.
أولاد الدكتور والمهندسة يتعلمون في مدرسة الراهبات بالمجان. رغم الأقساط الباهظة في تلك المدرسة الخاصة.

بقلمي: عبده داود

صرخةُ الرُّوحِ في متاهةِ الضَّميرِ في أَعماقِ رَأْسٍ مُهَشَّمٍ، تَتَشابَكُ الخُطوطُ كالأشواكِ، تَتَماوَجُ في أَروِقَةِ الظِّلام السَوداء، حي...