الليلةُ كما بالأمْس
ذهبتُ لزيارتِها
مصطحبًا أعْباءَ العَيْش.
في حَلْقي مرُّ الكأْس
ويعوي مِنْ حَولي جَيْش
ثُلّةٌ مِنَ الإنْس
وقليلٌ مِنَ الوحْش
في يَدي غاصَ النَّاب
ولحْمي يعلكُهُ الضّرْس.
أصعدُ السلم
وينفتح الباب
ومعه حجابٌ وسَدّ
في طريقِ منْ غاب
وتخرجُ صغيرةُ القدّ
تستبقُ الصَبْر
فتفتحُ ذراعَيْها
ما بين يدٍ ويد
جنّةٌ لها عَرْض
السّماء والأرْض
وبعْد,
أدْخلُ القَصْر
أمرُّ بالحجرات
بعزٍّ وفخْر
وعنْ يميني ورْد
وشمائلي كلها زهر
وتتفتّقُ الحياةُ كالأحلام
ترعدُ بصوْتٍ كالهمْس
إذْ تَتَفرْقَع،
ليستْ كمفرقعات الجِسْر
في سيدني،
وليست گهيئةِ الزينات
في البرجِ المُخَرْبَشَ،
ولا أوْهام،
تتناثر
كاللؤلؤِ في جوِّ المكان،
وتتطاير
كالفراشِ المُزرْكش،
وتتغيَّرُ عنْد اللمْس
لوحةُ الألوان،
لا تشْبهُ الأقران
في لندن،
أو الأشكالَ في ميدان الزّمان
إذ تتلَوْلَب،
وتتلَوَّن،
أحيانًا ألوانُها كالشمس
سودٌ وحمْر
ثمّ بنيٌّ مُذهّب
وأحيانًا يلمعُ نَقْش
كالبساطِ المُبَرقع
وأصِلُ الديوان
بطائنُهُ مِنَ الرّضى
أنْفسُ مِنَ الحرير
ومِنَ الحمْدِ خَيْطُ الفرْش
قد غطّى الحصير
ولا أرى ألأمير
غاب وما غاب،
ما زلت ارى وجهَه البشّ
يسطع كالقمرٌ منير
في هيئتِهِ الوقار
تبعثُ في الناظرين الدَهْش
كان يجلسُ على السرير
لا يُضاهيهِ عرْش
وكنتُ أقبِّلُ الجبين والخدّ
أداعبُ الأنامل
ألْمسُ الكفّ
أضمُّ اليدّ
وتتغشّاني السّكينةُ
وأقفُ خضوعًا كالكبْش
بين يَديّ إبراهيم.
غاب وما غاب
ويوضَعُ الطعامُ على الطَبَق
ليس بي شهيّة
فولٌ يغمرُهُ زيْتٌ
اختلط بسواد الليل
ما عاد كالشّهْدِ أصْفر
وعليْهِ رشّةٌ مِنَ الحَبَق
كانت زكيّة
والخبزُ أسْمر
خليطٌ مِنَ القَمْحِ والشّعير
والشّرابُ ماء
مِنَ الكؤوسِ نزَق.
والأكْلُ شحيحٌ رغم الدّعاء
ما راقَ السَّمر،
من العَتْمةِ حتّى الفَحْمة،
وما طالَ السَّهَر.
وعدتُ أدْراجي تحملُني الدرب
ويَصْحبُني الكرب!
تُرى!؟ هلْ أُعاودُ المشوار؟
قريبًا سيَنقضي السَّفر
مضَى الظهرُ يتبعُهُ العصر
وَسَيُطوى النّهار
ويطولُ الليل الى أمد الدّهر
ويكونُ نوْم
ويكون نومٌ ونوم.
بقلمي
جمال اسدي