mercredi 5 février 2025

«🌖» خواطر طبية -الهلال(1)- «🌔»
بقلمي : د/علوي القاضي.
... كنت سأموت جوعا ، ففي هذا اليوم لم أتناول فطوري قبل سفري ، ولما كنت بطبعي لاأحبذ المشويات في الإفطار ، فقد توجهت إلى مطعم الفول والفلافل بشعاراته المتعارف عليها (إن خلص الفول أنا مش مسؤول ، وإن خلصت الطعمية معنديش مسؤولية) فالفول والفلافل حبي الأول ، والذي إن مر يوم من غير رؤياه ماينحسبش من عمري ، والذي أشعر تجاهه بأسف ودهشة لكونه لم يغزو العالم بعد ، ورغم ذلك نما إلى علمي أن بعض المصريين بالخارج قد أنشأوا مطاعم للفول والفلافل في دول المهجر 
... هناك جهز لي الطعمجي ثلاثة أطباق من الفلافل والطرشي والفول ، حملته متلمظًا إلى فمي من شدة الجوع ، لأكتشف أنه ذو رائحة (زنخة) وليس له (طعم) وذو (لون) داكن وكريه ، لأنه مضاف إليه بقية خبز جاف وبقية الزيت المستعمل برائحته المميزة ولونه الداكن الذي يذكرك بزيت تشحيم السيارات ، أصابتني الحيرة لتفسير هذا السلوك ، والذي إعتبرته طمعا وجشعا في زيادة الربح ، كم يبلغ هامش الربح في طبق الفول هذا ؟! بالتأكيد هو لايقل عن 80% وبالتالي حصل البائع على أربعين قرشا من الخمسين قرشًا التي هي ثٌمْن الثمن الإجمالي ، فماذا يريد ؟! ولماذا يجب أن يغش الفول بخلطه ببقايا الخبز الجاف وإضافة الزيت المستعمل ؟! لماذا لايقدم لي سلعة جيدة ويكتفي بحقه فقط ؟! ، قلت للرجل غاضبًا أنني لن أتعامل معه مرة أخرى ، فهز رأسه في مزيج من الإعتذار الساخر واللامبالاة ، وكانت فلسفته حينئذ ، ماذا يخسر لو فقد زبونًا ، وماذا يكسب إذا إحتفظ به ؟! ، فالمهم بالنسبة له أنه أخذ مني هذه المرة وانتهى الأمر ، وغدًا سيأتي غيري ، هكذا تحول الإيمان بالرزق إلى مبرر للخداع بلا توقف ! 
... الحقيقة أن فلسفة هذا الموقف تنطبق على كل شيء في حياتنا بدءًا بالفول وانتهاءا بسيارة فاخرة أو فيلا في كومباوند 
... ولذلك وبالرغم أنني طبيب ، فأنا لا أضع علامة (الهلال) على زجاج سيارتي ، لأسباب واضحة ، إن هذا (الهلال) هو علامة وتصريح لإستحلال دمي ومالي لدى أي ميكانيكي أو تاجر أو بائع ، وكم سألني هذا الصنايعي أو ذاك البائع عن مهنتي فأجيبه أنني (مدرس) أو (مندوب مبيعات) أو (موظف) بلهجة عابرة 
... هذا (الهلال) يوشك أن يكون إعلانًا يقول لهؤلاء ، (أنني أحمق فاخدعوني)
... فهؤلاء عندما يتعاملون مع طبيب ، فهم يتكلفون ذلك الإحترام الممزوج بالسخرية ، وينادونه دائما يا (دوك) ألف مرة في الساعة ، وهم لايكفون عن سرقته ، فالعطل الذي يدفع سائق التاكسي ثلاثون جنيها ثمنًا لإصلاحه ، يطالبونه بثلاثمائة من أجله ، فشعارهم ونظرتهم للطبيب أن (هذا رجل ثري ، رزق حلال أرسله الله لنا ، لقد خُلق ليُخدع ، فإن لم نخدعه فمن نخدع إذن ؟!)
... أنا لا أتعامل هكذا مع المرضي في عيادتي ، وبالتالي لا أعتقد أنني خدعت مريض بأي شكل من الأشكال ، ومعظم من أعرفهم من الأطباء الزملاء لايفعلون ذلك ، لكن كل واحد من الحرفيين أو التجار لديه ذخيرة كاملة من القصص عن الأطباء النصابين والإستغلاليين ، حتى أطلقوا عليهم لفظ (جزارين) ، وقصصهم الوهمية أحيانا والمبالغ فيها أحيانا أخرى جاهزة ، مثلا عن (الحاجة) التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة وبرغم هذا أصر الطبيب على أن يدفعوا خمسين ألف من الجنيهات مقدمًا قبل أن يتم دخولها العناية الفائقة وفحصها ، أعرف أن هذه القصص من الممكن أن تحدث فنحن لسنا في المدينة الفاضلة ، لكن هذا ليس مبررًا لتعميمها والمبالغة في أحداثها ، وليس مبررًا للإنتقام مني أنا بالذات ، أو من أي طبيب يطلب عونهم ، أكيد تصرف هؤلاء فيه غباء لاشك فيه ، لأنك لن تطرق بابهم ثانية ، ولأنهم لايعنيهم في شيء أن تعود أو تذهب للجحيم ، لقد حصلوا على قطعة منك وفروا بها ، وفيما عدا هذا هم مؤمنون بالرزق وبأن هناك مغفلاً آخر سوف يأتي غدًا وقد يكون طبيبا أو مهندسا أو مديرا لبنك ، والغريب أنهم يعتبرون أنفسهم غير مخطئين على الإطلاق
... وإلى لقاء في الجزء الثاني إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...

(( ولادة الأمام المهدي المنتظر عليه السلام)). الخامس عشر من شعبان ولد الضِياء. نورك على الخلق تنير الكون والعلياء. نوره نور محمد وعلي في ال...