lundi 3 février 2025

«(!)» خواطر طبية "الولادة" «(!)»
من مذكراتي : د/علوي القاضي.
... في صغري كنت مولع بمشاهدة الدراما المصرية ، وكان يدهشنى دائما مشهد الولادة ، وبالذات مشهد الأوانى بالمياه الساخنة ، ودفعنى الفضول للسؤال عن دور المياه الساخنة فى عملية الولادة
... وأنا طفل حاولت تفسير هذا المشهد بعقليتى البسيطة المحدودة والتي عجزت عن التفسير   
... ظل هذا اللغز يؤرقنى حتى أنهيت المرحلة الثانوية وقبل أن ألتحق بكلية الطب  
... ففي الأفلام العربية التي أشاهدها ، ما إن تشعر المرأة بآلام الولادة حتى تقول إحدى السيدات العجائز لصاحبتها أو يقول الطبيب ، (قومي بتسخين الماء)
... فتهرع المرأة إلى المطبخ لتغلي إناءاً كبيراً تحمله في حذر إلى غرفة الولادة وهنا يغلق الباب في وجهنا فلا نعرف ما يحدث بعد ذلك 
... ذات مرة تولد عندي الشجاعة الأدبية أن أسأل إحداهن عن إستخدام الماء الساخن في الولادة ، فتقول في غموض وكأنها تخفي سرا عسكريا : (هذه أمور نسائية لا تسأل عنها)
... ثم كبرت نوعاً فوجدت كتاباً لطبيب أمريكي لتبسيط العلوم الطبية (على غرار كتب الإسعافات الأولية) للقارىء ، بعنوان (حتى يحضر الطبيب) ، يقول المؤلف في باب الولادة (لاداعي لتسخين الماء لأن هذا قد يسبب حروقاً خطيرة لك أو الأم أو الجنين)
... هذا ما قاله الطبيب ، ولم يشرح إستخدام الماء الخاطيء الذي ينبغي أن نتوقف عنه ، إذن الأمريكان يسخنون الماء كذلك ولسبب مجهول 
... دخلت كلية الطب إذن ، وانتظرت في صبر حتى درسنا الولادة ، وكل شيء عن الولادة والأغشية التي تنفجر ودوران الرأس و .. و .. وكل شيء ، وقد قمت بتوليد نساء كثيرات ولادة طبيعية ، وساعدت فى ولادات قيصرية في بداية حياتي ، ومن حبى وشغفى فى تخصص النساء والتوليد أذكر أننى فى فترة الإمتياز مكثت شهرين فى القسم وأقمت فيه إقامة كامله ولم أخرج منه إلا بعد انتهاء الشهرين ، على أمل أن أختار هذا التخصص ، ولكن شاءت الأقدار في ٱخر يوم أن أصرف النظر ، لخطأ وتقصير من العاملة في تجهيز السيدة قبل الولادة ، خلال الشهرين لم يحدث قط أن إحتجت للماء الساخن ، ولم أرى أي ولادة تحتاج للماء الساخن ، إلا أنا فقد إحتجت للماء البارد لإزالة مالحق بي بسبب تقصير العاملة 
... لكنني فطنت بعد أن إبتعدت عن صرخات غرفة التوليد بعشر سنوات أنني لم أتلق الإجابة قط ، لم أعرف مايفعلونه بالماء الساخن في الأفلام 
... هكذا إنتحيت بأحد كبار أطباء التوليد جانباً وسألته عن سر الماء الساخن ، فاتسعت حدقة عيناه في ذهول وظل ينظر لي عاجزاً عن الكلام بضع ثوان ثم قال ساخرا : (حقاً لا تعرف ؟! ، إنسان مثقف مثلك ، أو هذا ما كنت أحسبه ؟! ، أنت تمزح طبعاً ، لا يوجد تفسير عندي سوى أنك تمزح)
... هنا إنفجرت ضاحكاً وقلت له إنني كنت أمزح فعلاً ، عليه ألا يكون ساذجاً لهذا الحد ، هناك مشكلة مزمنة عندي هي أنني لا أبدو كمن يمزح عندما أمزح 
... قال لي بلهجة جدية : (أنصحك ألا تسأل أسئلة بلهاء كهذه ، وإلا ظنوا بعقلك الظنون !)
... هكذا قضي الأمر وصار علي أن أبقى جاهلاً للأبد مادمت لا أملك شجاعة أن أبدو جاهلاً لنصف دقيقة ، وعلى كل حال قد كونت نظريتي الخاصة عن الموضوع 
... فغالباً يستعمل الماء الساخن لقتل (الوليد) إذا كان قبيحاً ، أو هم يحرقون (الأم) به كي لا تشعر بألم الولادة ، وربما هم يفعلون هذا لاستفزازي فقط ، أي أنهم يسخنون الماء في كل الولادات كي أجن أنا 
... وبعد إستمراري في السؤال والبحث تعرفت على سر (حلة المياه الساخنة) بكل مشاهد الولادة فى الأفلام العربية
... (يا أم السعد ، يا أم السعد ، يا أم السعد) ، صرخت فى الفيلم ، دلفت (أم السعد) إلى الغرفة ، حاملة (حلة) عملاقة ممتلئة عن ٱخرها بالمياه الساخنة لدرجة الغليان تتصاعد منها الأبخرة الكفيلة بإحراق جلد فيل أو أى إنسان يقترب منها ، ليعلم الله وحده مصير هذه الحلة ، وما تمثله من أهمية قصوى فى عمليات الولادة الطبيعية من وجهة نظر مخرجى السينما المصريين ، المشهد الذى يصور إمرأة تضع مولودها على فراشها فى المنزل ، هو الذى تكرر عشرات المرات ، ومازال السؤال الأهم قائماً فى كل مشاهد الولادة فى السينما المصرية (هم بيعملوا أيه بالمياه السخنة ؟!)
... الطب الذى عجز عن الإجابة عن هذا السؤال ، حمل تفسيراً واحداً لهذا المشهد المتكرر بإصرار فى الأفلام المصرية ، والسر الوحيد أن (الداية) قديماً كانت غالباً ماتحتاج لكمادات مياه (دافئة) لتوسيع فتحة نزول الجنين ، وتسهيل عملية الولادة ، وبعد ولادة الطفل ، كانت تقوم بمسح جسد الطفل بفوطة مبللة بالمياه الدافئة لتنظيف جسده من آثار الدم العالقة به بعد الولادة ، وهو مايتنافى تماماً مع أى تفسير قد يكون تبادر لأذهان البعض 
... فالطبيعى عندما يرى المشاهد هذه الحلة العملاقة التى تتصاعد منها أبخرة اللهب ، أن يشعر بأن هذه المياه بالكامل يتم سكبها مثلاً على الأم ، أو أن الطفل يجب أن يخضع لحمام (ساخن) فور خروجه من الرحم 
... أما الإجابة الحقيقية على هذا السؤال التى لخصها الطب فى الكمادات التى يمكن الإستغناء عنها ، تكمن فى نهاية الأمر فى كتب الإخراج بمعهد السينما ، فكأنما إتفقوا أن الولادة أمام الكاميرا لايمكن أن تتم بدون (حلة مياه سخنة ملتهبة)
تحياتى

مافي حجج وأعذار وتَهرب من الإلتزام   و كلشي بتحسيه بأنوا غير هيك بتسميه علاقات شهوات نزوات ..... بتروح وبتجي والقلب والروح بعيده عنها ..  و...