mardi 25 février 2025

أ. د. لطفي منصور
حَزازاتُ النُّفُوسِ
وَقَدْ يَنْبُتُ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرى
وَتَبْقَى حَزازاتُِ النُّفُوسِ كَما هِيا
بَيْتٌ لِشاعِرٍ قَدِيمٍ يَنْطَوِي عَلَى حِككْمَةٍ رائِعَةِ.
حَزازاتُ النُّفُوسِ: جِراحاتُها. مِنَ الصَّعْبِ جِدًّا أنْ يَنْدَمِلَ جَرْحُ النَّفْسُ الَّتِي هِيَ الذّاتُ الْعُلْيا أوِ الْأَنا.
يَقُولُ الشّاعِرُ: مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَنْبُتَ عُشْبُ الْمَرْعَى مِنْ دِمَنِ الثَّرَى. الدِّمَنْ جَمْعُ دِمِنَةٍ، وَهِيَ الْقاذُوراتُ مِنْ رَوْثِ الْدَّوابّ في حَوْضِ الْماءِ الْكَبِير، مِنَ الْقَشِّ وَالتُّرابِ النَّدِيِّ وَهُوَ الثَّرَى، وَيَطُولُ نَباتُهُ وَيَخْضَرُّ. وَمَعَ هَذا النُّمُوِّ والِاخْضِرارِ لَنْ تَأْكُلَهُ الدَّوابُّ وَالْبَهائِمُ حَتَّى لَوْ نَفَقَتْ جوعًا وَظَمَأً.
كَذَلِكَ النُّفُوسُ الْمَكْلُومَةُ لا يُداوَى جَرْحُها، وَلَوْ غَمَرْناها بِوابِلٍ مِنَ التَّأَسُّفِ وَالِاعْتِذارِ.
وَكانَ فرُويد أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ عَنْ طُرُقِ الدِّفاعِ عَنِ الذّاتِ. وَهَذِهِ الطُّرُقُ مَغروزَةٌ في الْإنْسانِ نَفْسِهِ كَالْكَذِبِ وَاتِّهامِ الْآخَرِ، وَالْكِبْرِ، وَالشُّعُورِ بِالتَّعالي عَلَى الْآخَرِينَ.
الْأنا أوِ الذّاتُ وما يُعْرَفُ بِ Ego
لَها أَثَرٌ كَبيرٌ عَلَى شَخْصِيَّةِ الْإنْسانِ . وَلِلَطافَتِها تُشَبَّهُ بِالزُّجاجَةِ لِرِقَّتِها وَسُهولَةِ كَسْرِها. وَهِيَ لا تَتَحَمََلُ خَدْشًا، فَكَيْفَ الْكَسْرُ؟
يُحَطِّمُنا رَيْبُ الزَّمانِ كَأَنَّنا 
زُجاجًٌ وَلَكِنْ لا يُعادُ لَنا سَبْكُ
عَلَيْنا أَنْ نُراعِيَ وَضْعَ الْأنا أَوِ الذّاتِ فِي عَلاقاتِنا مَعَ الْآخَرِينَ، وَأَنْ نَتَجَنَّبَ جَرْحَ كَرامَةِ الْآخَرِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كانَتْ. حَتَّى لَوْ سامَحَكَ صَدِيقُكَ وَصَفَحَ عَنْكَ لَيْسَ مَعُنَى هذا أَنَّهُ مَحا الذَّنْبَ، فَأَثَرُ جَرْحِ النَّفْسِ باقٍ لا يَبْرَأُ، وَكُلُّ ما في الْأَمْرِ أنَّهُ أَصابَهُ التّخْدِيرُ. لِذَلِكَ قالُوا: جَرْحُ اللِّسانِ أَنْكَى مِنْ جَرْحِ السِّنانِ . أَنٍكَى: أَشَدُّ أَلَمًا.
فَحَذارِ حَذارِ لِمَنْ لا يُراعيِ نُفُوسَ الْآخَرِينَ وَكَرامَتَهُمْ.

أمين إسماعيل محمد

أعيش بين ألاطلال، (أطلالي صارت تراودني، ...