dimanche 9 février 2025

(الجـزء الأول) 

صفـحة من دفـتر قـديم
       * لقــاء عـابر *

بقلـم : فـاطمـة لغبـاري // الربـاط

الحيـاة ملـيئة بلقـاءاتٍ عـابـرة، قـد تتـرك أثـرًا عميقًـا في قلـوبنـا دون أن نـدري. 
وأحـيـانًـا، قـد تحـمل لنـا الصدف لحظـات استثنـائيـة، تُثيـر مشاعـر غير متوقعـة، وتجعـلنـا نتساءل عن القــدر ومـا يخـبئـه لنـا.
 لكننـا مجـبرون على اتبـاع أحـاسيسـنـا عـندمـا تجـذبنـا بقـوة، لأنهـا في الغـالب تنطوي على حقيقـة لا ندركهـا، إلا بعـد أن نجـد الطرف الآخـر متـورطا فينـا بكل رفـضٍ، فبقـدر مـا نرفض الآخـر أو يرفضنـا ، بقـدر مـا نتـورط فيه.
  
ففي إحـدى المـرات، عـند زيـارتي "السوبـر مـاركت" المتواجـد بحـي الريـاض الربــاط، خـرجـت بحمـولة كبيـرة من المستلزمات المنـزلـية وغيرهـا، حتى تضاعـف حجـم عـربـة التسـوق، وحـين وقفـت عند صندوق المحـاسبـة أنتظـر دوري، لفـت انتبـاهي في الجـانب الآخـر رجـلٌ أسمـر كاريزميٌّ في عقـده الخـامس، ذو ملامـح رجـوليـة حـادة، وشعـر أسـوَد منسدلٌ على كتفـيه، طويـلُ القـامـة، يرتـدي بذلـة رياضيـة أنيقـة، كان يرمقـني بنظراتـه.. 
ورغـم علـمي بأن الرجـل كائـنٌ بصريٌّ يتمتـع بحـاسة بصريـة بشكل غـريزي حتى لو كان ذلك بغـيرِ عـمـدٍ، اقتـربت منـه بشكل تلقـائي:
"المعـذرة يـا سيـدي، ولكن .. هل يمكنك صرف عـينيك اللامعـتين عـني؟ كِدتَ أن تثقـب تفـاصيل وجـهي !"
أجـابني مبتسـمـاً:
"لـم أكـن أنظـر إليك بالذات، بـل إلى تلك المشتريات التي تكاد تسقـط ..."
مـا كاد يكمـل كلامـه حتى سقـط بعضٌ منهـا على الأرض، فأسـرع يعـرِض المساعـدة قـائلًا:
"يمكنني مساعدتك في التقـاطهـا، إنهـا تبـدو ثقـيلـة."
حـينهـا شعـرت بحـرجٍ شـديد، فقلـت لـه:
"لا بـأس، أستطيـع التقـاطهـا بمفـردي."
حـاولتُ تجـنّبـه قـدر المستطاع، رغـم تعـاطفـه الإنسـاني وإعجـابي بـه، ولَّيتـه ظهـري، ثم انحـنيت لالتقـاط المستلزمات الملقـاة على الأرض، بعـدهـا دفعـتُ مـا عـليّ، فأسرعـتُ الخـطى مـارّة أمـامـه باستحـيـاءٍ لافـتٍ، ورمقـته بنظـرة خجـولـة.
وفي أقـل من ثـوانٍ، سمعـتُ ..
"فـاطمـة ! رجـاءً توقـفي"
لم يكن مني إلا التفـاتة للخلـف، حيث كان ينـاديني بإسمـي، فاستغـربت وشعـرت بالدهشـة، كيف عـرف الرجـل الغـريب إسمـي؟!

"مـا الخـطب، سيـدي؟"
– "وجـدتُ بطاقـتكِ الشخـصية ملقـاةً على الأرض قـرب صنـدوق الدفـع."
"آااااه... شـ....كـ.....راً، هذا لطـفٌ منك."
–أتعلـمـين يـا فـاطمـة أنك تحمـلـين إسـم والـدتي !
"حـقـاااا .. هذا جمــيل"
– "والآن لـو تسمـحـين لي أن أقـدّم لكِ نفــسي."
"بالطبـع.. تفـضل"
– "أنـا حـسـن، مـدرب كمـال الأجـسام، متخصص في مجـال الليـاقـة البـدنيـة والتغـذيـة بالدار البيضـاء."
"سعـيدة بمقـابلتك، سيـدي."
– "هل يمكنـكِ أن تنـاديني بإسـمي؟"
حـسنـاً، حـ.....سـ.....ننننننن
شعـرتُ بالاســم يحـتلَّ شفـتاي دون مقـاومـة...
لم أؤمـن يومًـا بالحـب من أول نظـرة، لكن في تلك اللحـظة، شعـرت بنظـرات عـينيـه تحـتوياني، فسـادت بيننـا لحـظة صمـتٍ، ثم تبـادلنـا حـديثـاً عـابراً، لكنه أثـار الفـضول، وكأنـه دعـوة لِلِقــاءٍ آخــر.
لكنني أدركـت أنـه مجـرد "رجـل عـابر"، لا مكان لـه في حـياتي.
فمـددت يـدي لمصافحـته، ثم واصلـتُ طريـقي...
فجـأة، خـاطبني بصـوت أقـرب إلى الهمـس:
– "هل سنلتـقي مـرة أخـرى، عـزيزتي ؟"
اِلتفـتْتُ نحـوه قـائلـةً:
"ربمـا يومـًا مـا.. عـندمـا تتـلاقى مسـاراتنـا من جـديد."
– "حـسنـاً، سآخـذ هذا كَـ نعَــم."
ابتسـم كِلانـا، ثم مـضى في سبيلـه...
في لحـظة، وجـدتـه أمـامي بسيـارته، عـارضًا أن يوصلني إلى البيـت، لكنني رفـضت ذلك، معلـنة رغـبتي في الذهـاب بسيـارة أجـرة.
حينهـا قـال لي :
"إذا كانت رفقـتي تُزعـجكِ، فسأغـادر.. لا أحـب أن أُسبـب لك الإحـراج."
قـررتُ أن أكتـفي بصداقـته، وألقـيتُ علـيه التحـية بلـطف، ثم عـدتُ أدراجـي إلى البيـت.
أمضيتُ الليلـة كاملـةً أفكر في شهامـة ذلك الرجـل الغـريب-القـريب، الذي يتمـتع بجـاذبيـة ربّـانيـة، أُعجِـبتُ بجمـالـه الداخـلي والخـارجي، ثم تذكـرتُ مـا جـرى، وعـاتبـتُ نفـسي على ضيـاع فرصـة التعـرف إليه، وأدركتُ أين تكمـن قيمـة اللحـظة !
وفي اليـوم التـالي، توجـهتُ إلى نفـس المكان، على أمـل لقـائـه من جـديد... انتظـرتُـه بكل لهفــة، ومع مـرور الوقـت، لاحـظ بعض المـارة اضطرابي الشـديد.
لقـد مـرت ساعات طويلـة، ولـم يظهـر...
أدركـتُ حينهـا أنني أنـا مَن صنـعـت الحـبّ، والولـهَ، والشـوقَ، والوعـودَ، والحكايات...
وجـدت نفـسي قد اقترفـت حـبّه، فصار ذنبـاً يلازمـني ...

يتبـع ...

إنتباهك ثمين ..!  التركيز يحتاج إلى ترويض، العقل مكان مزدحم،، أفكار تتدافع، مهام تتزاحم، إشعارات يومض ضوؤها، وأصوات لا تهدأ  فالكتابة مثلا ع...