الفصل الثاني : زيارة إلى طشقند
لم أكن أضع طشقند على خريطة أحلامي، ولا كانت ضمن المدن التي يطرق اسمها القلب بشغف كروما أو باريس أو إسطنبول. لكنها جاءتني كصدفة، أو لعلني جئتها أنا بدافع من تعب الروح ورغبة في الابتعاد. تأشيرة سريعة، حقيبة خفيفة، وتذكرة بلا توقعات.
في مساءٍ هادئ من شهر جوان، حطّت الطائرة في مطار طشقند الدولي، وقد امتزجت في صدري مشاعر الغربة بالحماس الطفولي لاكتشاف المجهول. نزلت من الطائرة لأجد هواءً نظيفًا يحمل رائحة أرض لم تُرهق بعد بضجيج المدن الحديثة. بدا كل شيء مألوفًا على نحو غريب، وكأن المدينة تهمس لي: "لا تقلق، كنتَ تعرفني قبل أن تصل."
استقبلني سائق سيارة أجرة يتحدث الروسية وبعض الكلمات الإنجليزية. ابتسم عندما قلت له:"من العالم العربي."
فأجاب: "مسلم؟ الحمد لله! نحن إخوة!"
كنت أسمع عن أوزبكستان، بلاد الإمام البخاري والخوارزمي، وها أنا أراها حيّة أمامي. مررنا في الطريق على مبانٍ ضخمة من الإرث السوفييتي، وبينها مساجد صغيرة بقباب زرقاء ونوافذ خشبية محفورة بدقة مذهلة. شعرت وكأن المدينة لم تختر بين الشرق والغرب، بل قررت أن تكون كليهما.
في صباح اليوم التالي، قصدت "بازار تشورسو" الشهير. كان كأنه مهرجان دائم: ألوان التوابل، ضجيج البائعين، رائحة الخبز الطازج، والأصوات المختلطة بين الأوزبكية والروسية وبعض كلمات تركية مألوفة. اشتريت بعض الفواكه المجففة، وتوقفت أمام عجوز تبيع خبز "لِبْيوشكا" المستدير، فشاركتها الجلوس لدقائق، وقدّمت لي الشاي بنكهة الهيل.
انغمست في ساحة الاستقلال، القلب الرمزي لمدينة طشقند، ليست مجرد مركز جغرافي بل منارة ثقافية وتاريخية لسكان المدينة إنها ملاذ محبوب حيث يجتمع المجتمع، منجذبا بسحر أكثر نوافير المدينة سحرا. إنها جنة ساحرة نظيفة لطيفة هادئة... طشقند و نصبة حصان أمير تيمور ومنازل رومانوف آخر عائلة تسار روسيا وقصته مع ثورة البولشيفيك، الذي لم يفهم عواقبها على الأغنياء منهم... ونعمت بالسعادة في ساحة الأخوة بين الشعوب... وبالإعجاب في رواق مترو المدينة وخلت نفسي في متحف تحت الأرض... تظل أبواب مدرسة كوكلداش مفتوحة للفضوليين والمتدينين -على حد سواء-. ويمكن للزوار التجول في حدائقها، والانغماس في ماضيها العريق، والتعجب من الهندسة المعمارية التي لا تزال تستحضر روح أوزبكستان في العصور الوسطى، على الرغم من ترميمها مؤخرا... لا تغادر المدينة إلا بعد زيارة متحف القرآن الكريم والتمتع برؤية آخر نسخة القرآن العثماني ومجمع هاست إمام، ومتحف الفنون التطبيقية بمجموعاته الغنية من الأيقونات والسيراميك والسوزاني، ونصب الشجاعة...
كانت طشقند، ببساطتها ودفئها، تهمس لي كل يوم: "لسنا مدينة شهيرة، ولكننا صادقون. وهنا، لن تكون غريبًا."
12/06/2025
يتبع زيارة إلى كيڥا. خيوة