الفصل الخامس و الأخير: بداية الحياة
مرت ثلاث سنوات على زواج سمير من نادين. من الخارج، كان كل شيء مثاليًا: طبيب ناجح، زوجة جميلة وذكية، منزل مرتب، صورة اجتماعية مشرّفة.
لكن من الداخل، كان يشعر كمن يعيش على هامش حياته.
نادين كانت تدير كل شيء: من القرارات اليومية، إلى خططه المهنية. لم تكن تستشيره، بل تُصدر أوامرها كما لو أنه موظف في شركتها الخاصة.
وأمه؟ لا تزال تتصل يوميًا لتُخبره بما عليه فعله، وماذا يأكل، ومتى يزور خالته، ولماذا لا يغير ديكور غرفة الجلوس.
وفي كل مرة، كان يرد بكلمة واحدة: "حاضر."
لكن "الحاضر" هذه، صارت تخنقه.
ذات صباح، استيقظ ليجد نفسه أمام المرآة. نظر إلى وجهه طويلاً، ثم همس:
من هذا؟
لا هو سمير الذي أرادت أمه صنعه.
ولا هو الرجل الذي تريده نادين.
ولا هو الفتى الذي أحب هاجر.
هو مجرد… دمية. جميلة من الخارج، فارغة من الداخل.
في ذلك اليوم، غاب عن العمل. أغلق هاتفه، وخرج من المنزل بلا وجهة. سار في الشوارع طويلاً، حتى وجد نفسه جالسًا في حديقة مهجورة، يراقب الأطفال يلعبون، ويضحكون بحرية.
أخرج دفتراً قديماً من حقيبته. كان يحتفظ به منذ الثانوية، أيام هاجر.
كتب فيه:
لم أعد أريد أن أكون ابناً مطيعًا بلا رأي، ولا زوجًا خاضعًا بلا هوية، ولا طبيبًا ناجحًا دون رغبة. أريد أن أكون سمير… فقط سمير. وإن بدأت متأخرًا… فلأكن رجلًا، لا دمية.
في المساء، عاد إلى المنزل. وجد نادين تنتظره غاضبة، كعادتها.
قال لها بهدوء:
نادين، سنتحدث. لا تصدري أوامر… استمعي فقط.
ثم رفع هاتفه واتصل بأمه، وقال لها للمرة الأولى:
ماما… أنا أحبك، لكنني لست صغيرك بعد اليوم.
ثم أغلق الهاتف، والتفت إلى نادين:
إما أن نعيش كشريكين… أو لا نعيش معًا.
كانت تلك الليلة بداية النهاية، أو… بداية الحياة.
الرجولة لا تُقاس بالخضوع، ولا الطاعة العمياء. من لا يعرف نفسه، يسهل على الجميع تشكيله كدمية.
لكن من يعرف من هو… لا يتحكم فيه أحد.
بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس