samedi 5 juillet 2025

بقلم: عبد الكريم علمي

قصة قصيرة: نهاية بردوع النُّخَّال

تمالأ أشرار الغابة على الكيد للأسد وإهانته، وعقدوا اتفاقا بينهم في هذا الأمر، وهُـم الكلب الأجـرب القمَّام، الملقب بالكلب المهرج سيد القمامة، ومطيته الجحش الحُثالة، عاشق التِّبن والنُّخَّالَة، الملقب ببردوع النُّخَّال، والخنزير القذر الشرير، الملقب بأبي زنفورة خنشور النَّمَّام، وجه بومة الظلام، الحسود الحقود، صاحب القلب الأسود السَّام، والذي لأجل نبتة البلبوزة ضَلَّ في البراري وتاه وهام، ورابعهم التيس البدين، النجس العِنِّين، صاحب الذَّفر والصَّنان والريح النتن، الملقب بضفدع الأوساخ والطين والعفن..

تآمروا فيما بينهم واتفقوا على النَّيل من الأسد والإضرار به، ولكن الأمر في هذه الحال يقتضي تعيين زعيم وقائد منهم عليهم، يرجعون إلى رأيه وقراره عند تضارب الأقوال والآراء، فتكون كلمته الأخيرة هي الفيصل فيما هم بصدده.

ولكن مسألة القائد والزعيم، جعلت الشقاق والخلاف على أشده بين زمرة الشر، واختلفوا اختلافا شديدا، فالكلب يرى نفسه أحق منهم جميعا بقيادة المجموعة، لأنه يملك حاسة شم قوية لا يملكها رفاقه، ثم إنه ينبح بقوة وشراسة، ويُتقن تحريك الذيل يُمْنَةً ويُسْرَةً بكل يُسْرٍ وسلاسة، وبارعٌ في الحذر والحراسة، ويُكَشِّرُ عن أنياب حادة بيضاء يُرهب بها الأعداء، ويرى أنها ميزة تُخَوِّلُهُ السيادة عليهم وقيادتهم..

وأما الخنزير فيرى نفسه أقواهم بدنيا، وأنه بارع في العثور على نبتة البلبوزة ولو كانت في أقاصي الجبال والصحراء، ويستطيع الجري لمسافة طويلة أكثر منهم جمعاء، وبالنسبة إليه فهي ميزة ومعيار في هذا الأمر..

وأما التيس السمين الهجين فيعتقد نفسه الأحق، لأنه يملك قرنين لا يتوفران لبقيتهم، وله صياحٌ محبوبٌ عند أُمَّة العنز..

وأما بردوع النُّخَّال فيرى نفسه الأحق والأجدر بهذا المنصب، وحجته أنه يملك صوتا جشيا نديا في الغناء، تُحبُّهُ الحمير والبغال بلا استثناء، إضافة إلى أنه يمتلك حوافر قوية يصرع بها الخصوم والأعداء.. 

جميعم أبدى ليونة وسلاسة في الحوار والنقاش والقبول بالتشاور، والخروج برأي تشاوري متفق عليه، إلا بردوع فإنه ركب رأسه، وأصر على رأيه وقَولِهِ بأن يكون هو قائد المجموعة، وهنا تبادرت فكرة جهنمية إلى ذهن سَيِّدِ القمامة، استطاع من خلالها أن يُقنع بردوع الغبي المغفل، وبعد موافقة المجموعة على مضض وحرج شديدين، بمحاولة الغدر بالأسد في غفلة منه عندما يكون نائما، ومهاجمته وركله في فمه لتسقط أسنانه، فيتمكنون منه بعد حدوث الأمر ويقتلونه، وبهذا العمل تُسلِّم له المجموعة بالزعامة والسيادة عليهم، ولأن النُّخَّال المبردع أحمق وغبي خِلقة، فإنه قبل بالأمر دون تردد ولا تفكير، وراح يترصد الأسد ويُعِدُّ نفسه لتنفيذ الاتفاق الخطير.

بعد أن ذهب الجحش وابتعد عن رفاقه، فإنهم احتجوا على الكلب ولامُوهُ، فكيف له أن يُشير بهذا الرأي، وماذا لو نجح الجحش في مهمته، فكيف يتسنى لهم العيش تحت سلطة جحش غبي تافه؟

رد سيد القذارة(بثقة وثبات جنان): اِطمئنوا..، إنه لن ينجح، وأنا إنما أرسلته إلى حتفه لأنني قرفت منه، وسئمت من نذالته وتنطعه وإصراره المقيت على الجهل والغباء، إن العضو الذي يفقد قدرته في أداء دوره المنوط به مع باقي الأعضاء، ويشل من قدرتهم على الانسجام والتناسق ويعرضهم للخطر، يكون بتره في هذه الحال علاجا ناجعا وفعَّالا، حفاظا على سلامة باقي الأعضاء من التفكك والتشرذم والفناء.. 

ولما فتك الأسد بالجحش بردوع وسلخ جلده، وأكل لحمه ونهش عظمه، وبعد أن شبع وغادر المكان، جاء الكلب المهرج سيد القمامة، ووقف عند رأس جيفة بردوع وقال: إن الأسد يا بردوعُ لا يُستهان بخطره ولا يُجارى ولا يُبارى، فلو كان لك عقلٌ لعرفتَ ذلك وما أصابك الرَّدى، ولكُنتَ الآن حيًّا مرزوقا تسعى، ولكن لأنك غبي أحمق لا تُفكر ولا تسمع ولا ترى، فها أنت قد صرت طعاما لأسد الشَّرَى، وما بقي منك فمن نصيب سيد القمامة وحده دون كل الورى..

إن هذا الأحمق المأفون المتخلف، كلما طالت به الحياةُ ومُدَّ له في أجله، ازداد غباءً وجهلا ورُعُونَة بمرور الزمن، وأصبح صفيقا مُقرفا مُقَزِّزًا لا يُطاق، هذا هو الوقت المناسب والمُلائم للتخلص من المغفل الأحمق بردوع..، منذ فترة ليست باليسيرة وهو يُثقل على نفسي وكاهلي، حتى سئمت منه ومللت وقرفت، وصار التخلص منه ضرورة مُلِحَّةً قُصوى، فويلٌ لمن كان له صديقٌ من الحمير، وويلٌ وويلان وكل الويل والويلات، لمن كان له جيرانٌ وأقرباءٌ حمير.. 

وأجهز على ما تبقى من جيفة بردوع النُّخَّال وأكل دماغه، فهو الشيء الوحيد الذي أبقاه الأسد على حاله ولم يأكل منه شيئا، وأطيب شيء يحبه الكلب في جيف الحمير هي أدمغتها، وبعد أن تناول نصيبه قال في نفسه: لو كان الأسد يعرف قيمة أمخاخ الحمير ويُقَدِّرُ ميزتها، لالتهمها وجعلها طعامه المفضل، ولكان مثلي قد عرف طبيعة عقليات الحمير وكيف يُفكرون..، ولاستطاع التحكم بهم والسيطرة عليهم ولاستعبدهم وسَخَّرَهُمْ في خدمته، ولكن حتى لو عرف ذلك، فالأُسُودُ تعاف أدمغة الحمير وتزدريها، إنها شيء عندهم يُسمى الأنفة والعزة، فهم يعافون ويتقززون ويتأففون، وهذا شيء لا أعرفه ولا أُقِرُّهُ، ولا تعرفه الكلاب ولا تُقِرُّهُ، وأرى أن ذلك من حُسن حظنا وبركة سعدنا وطيب طالعنا، فأنا أحب أمخاخ الحمير، لأنها تُمِدُّني بقدرة فائقة وموهبة استثنائية على فهم نمط تفكيرهم وتوجهاتهم وأحاسيسهم، فَحُبُّ الحمير في نفسي لا يُضاهيه شيءٌ أبدا، فهم عند الحاجة يجبرون الخلل ويسدُّون الجوع، ولذلك فأنا دائما أستكثر منهم، وأجعلهم أحبتي وخاصتي، لتحقيق مصالحي ورغباتي واحتياجاتي، وفي الحقيقة لا يوجد آخرون أنفع منهم، فهم يُصَدِّقُون كل ما يُقالُ لهم، ويفعلون كل ما يُطلب منهم دون تفكير ولا نظر في العواقب..

ألا فلتذهب روحك إلى الجحيم أيها البردوع الأحمق، وليذهب لحمك إلى كرش الأسد، وجمجمة رأسك إلى كرش سيد القمامة..، إي والله فأنا الشهير بسيد القمامة ولا فخر، لكم يُناسبني ويُلائمني هذا اللقب العظيم، إنني عندما أُنَادَى به أُحس بالفخر والرفعة والسُّمُو، وكيف لا وأنا زعيم الكلاب وحارس القمامة هنا، ولا أحد يجرؤ أن يُنازعني ويسلبني هذا الشرف العظيم، إنه وسامٌ أُعَلِّقُهُ على باب مدخل مكب القمامة والنِّفايات حتى تراه كل الكلاب القمَّامة، لتعلم أنني السَّيِّدُ بلا منازع.. 

عليَّ الآن أن أبحث عن بردوع آخر أمتطيه، وأسَخِّره في خدمتي، ولن يكلفني الأمر عناءً، فما أكثر الحمير عندنا، وبإشارة واحدة يكون أمامك المئات منهم، بل الآلاف لو شئت، بل عشرات الآلاف ولستُ مُبَالِغًا..
ثم أكل الرأس وما أبقى منه شيئا، ولما اكتفى غادر وما التفت.

         بقلم: عبد الكريم علمي
          الجمهورية الجزائرية

الاهم الفكرة... اكتب ثم اكتب ولا تبالي برداءة النص وضعقة فهي ليست دليلأ على فساد الموهبة أو فساد الذوق،  قد تدرك رداء نصك قبل كتابتة، لكنك ل...