شَدَّ العقدةَ الأخيرةَ. ابتسامةٌ مُرّةٌ تلوّت على شفتيه المتشققتين. "أخيرًا!" زفّها همسًا وهو يتأمل تلك العلبة العتيقة بين أنامله الراجفة. عقودٌ عجافٌ انقضت، وفتاتُ العيشِ استُنزفَت، فقط ليحظى بها. هي، دون سواها، تستحقّ هذا الوجودَ العقيمَ.
"عيد ميلاد سعيد يا ملاكي..." تمتمَ في غيب الأثير. أسندَ العلبةَ برفقٍ على المنضدةِ الواهنةِ في بهيمِ الغرفةِ. انزوى في الظلّ الرابض، يتجرّعُ لدغاتِ الانتظارِ. الدقائقُ تَشَرّبتْ كعقودٍ، والساعاتُ خنقتْ دهورًا.
لم تأتِ.
ومع أوّلِ وميضٍ للفجرِ، تسلّلَ شحوبُ الضوءِ. فضاءٌ من الغبارِ خيّمَ على العلبةِ. وذاك العطرُ، شتاتٌ من ذكرى، ما زال يئنّ من صورةٍ لصبيةٍ شابةٍ، معلّقةٍ على الجدارِ، تقبضُ بكفيّها العاريتينِ باقةَ وردٍ ذابلٍ.
حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي