في ليلة من ليالي الشتاء الطويلة، بينما كنت أكتب
بدأ القلم يرقص بين أناملي بسبب ارتعاشها خوفا من الزخات الرعدية القوية، انقطع الكهرباء في لحظة، فلجأت إلى الشموع المحتفظ بها في احدى رفوف المطبخ.
ما إن اشعلتها حتى بدأت أكتب بسرعة طامح في إنهاء نصي قبل موعد النوم.
للأسف الشديد كانت كتابتي متقطعة لسبب الرعد المستمر ، وضوء البرق الذي يضيء الغرفة من حين لآخر ، أحسست أن الأفكار تهرب من ذاكرتي والكلمات تنسحب وتبتعد عني شيئا فشيئا .
ولكنني كنت مصمم على الإستمرار ، أكتب .. بعدها أمسح .. ثم أكتب .. بعدها أمسح .. يا إلهي !؛ ماذا يحصل ، مشهد يغريني .. يجذبني بقوة، لم أعد مركزا على الفكرة المختارة.. الفكرة الأولى المتجانسة ببن الواقع والخيال.
بعد معاناتي وأنا أحاول الحفاظ على الفكرة الأولى واستبعاد المشهد الذي يهاجمني بقوة، انسحبت وتركت المجال للواقع ..الحاضر المعاش، فكرة رائعة ، لن أتخلى عنهامهما حصل، بدأت استعيد التركيز .. لأجد نفسي كتبت سطرين من أروع السطور. وأنا أتأملها وأدقق بفرح وبهجة، فإذا بي أتفاجئ بمشهد آخر يدهشني ، زخات مطر قوية هاجمت قطراتها زجاج النوافذ لتحدث صوتا رنانا، كاد أن يكون مزعجا لولا رومانسيته الغنية عن التعريف.
ماإن رأيت المشهد حتى أحسست أن عقلي اندمج مع أناملي وأرغمها على الكتابة، أصبحت أسيرة ، لم تعد تستطيع المقاومة، انطلقت بخفة دون مقدمات .
ليلة باردة ، دخلت فراشي وتغطيت بكم هائل من اللحائف ما كدت استغرق في النوم حتى أيقظني صوت رياح قوية ، بعد ما فتحت عيني مباشرة ، انتابتني فكرة كتابة نص جميل ، وكان من بين استعداداتي ارتشاف فنجان قهوة.
هكذا طبقت ما يلي ،
وجلست على مكتبي أنتقي الكلمات المناسبة، من حسن حظي كنت أكتب دون اجتهاد ولا معانات العب باحترافية على الكلمات والجمل ، واستعمل فن الأسلوب.
وأنا أعيش لحظات جميلة مع قلمي نتأمل المشهد الجميل، ونخط ما نراه في تحير وذهول ، وبعد فترة من الكتابة بدأ قلمي يتدهور بعض الشيء .
لسبب صوت هبوب رياح قوية وازدادت قوة تهاطل الأمطار ، تعثر حينها وتوقف عن الحركة ، وهو يتسائل في صمت ؟ كيف استمر في كتابة المشهد الثاني بعد أن رأيت مشهدا أقوى ، هل أستطيع الاستمرار ؟ أيمكنني اللعب مع الطغاة ؟! .
حاول قلمي الهروب إلى حيث نقطة بدايته الأولى ، لكن دون جدوى ، فقدان توازنه جعله خارجا عن السيطرة مع قوة المشهد الخارق .
بين فينة وأخرى اندهشت لرؤية نص طويل على ورقة كانت بيضاء صافية منذ عشر ثوان !.
وكنت أردد : الحمد لله كنت أقوى منك أيها المشهد لقد تفوقت عليك ، وربحت الرهان " لا من أحد أقوى من خطوطي الزرقاء .
لم تكتمل فرحتي بعد ، فتكسرت زجاجة النافذة بعد أن هبت رياح قوية وفتحتها بقوة فانبعثر الزجاج على الزربية المغربية المزركشة " نظرت بدهشة وقبل أن أستوعب الأمر ، سقطت مزهرية من فوق رف في زاوية الغرفة ، فأصبحت الورود مبعثرة في كل الأنحاء لم تقف الأمور عند هذا الحد ، بل بدأت قطرات المطر تدخل بقوة من النافذة بللت كل الوسائد والستائر، بين ضجيج الرياح، وهدير المطر، أصبح قلمي يقفز من ركن لآخر وهو يحاول إصلاح كل ما بعثرته الرياح لكن وللأسف؛ لم تكن لديه قوة كافية لإصلاح ما أفسده المشهد القوي ، في لحظة، هدأت الأمطار .. وتوقفت الرياح ، وأطلقت على الغرفة نظرة ثاقبة ، فبدت لي وكأنها لوحة فنية من رسام محترف .
أعجبت بالمنظر، فأستعملت عدسة هاتفي وبدأت أديرها في كل زوايا الغرفة ، هناك في الوسط ، زجاج ملون بالأخضر والأصفر أندمج مع ألوان زركشة الزربية المغربية فانعكس عليها بمنظر هائل ، وهناك في زاوية على اليمين ستار يلتف حول شماعة نحاسية جميلة على شكل تحفة رائعة وكأن يد مبدعة أتقنت لوائه أو لفه على الشمعاعة للتخاذه شكل ثمانيه الذي يعني رمز لا نهاية !.
تساءلت أنذاك وقلت : يبدو أنني مخطئا لا نهاية مع السهر والاستيقاظ في منتصف الليل لعقد رهان مع المشاهد القوية،الحمد لله أنني وقلمي نبادلها نفس القوة أفتخر وأعترف بذلك لا أحد يعارضني الرأي .
وأنا لا أزال أردد كلماتي في صمت ، اذ سمعت صوت مفزع ، وكأن شيء ثقيل سقط على الأرض ، استدرت بسرعة ، فإذا بي أرى في الجانب الأيسر من الغرفة عدة كتب متراكمة على الأرض وكانت خزانتها مائلة بسبب عبور تلك الرياح القوية ، راق لي المشهد فأخذت هاتفي مرة أخرى بأقصى سرعة والتقطت عدة صور وأنا أتأمل الكتب التي زادت المشهد جمالا تشكيليا فوقع نظري على كتاب مفتوح ولمحت في احدى صفحاته جملة تقول : ( المشاهد أقوى من الكاتب )
فاستغربت لذلك وما كان علي إلا أن أرفع الراية البيضاء بعد أن عثرت على الحقيقة واكتشفت أن قوة الكاتب مهما كانت خارقة لا تقارن بقوة المشاهد وتأثيرها.
في كل الأحوال المشاهد طاغية تفرض نفسها وتلعب دورا قياديا في لعبة البطولة بين الكاتب والمشهد .
التقطت قلمي من جديد وسهرت على نص جميل ولد في بداية الصباح من احدى صبحات ليالي الشتاء الطويلة.
نشرتها في كل الصحف والمجلات ليصل الخبر والمعنى لكل من لا يزال مترددا ومعتقدا أن للكاتب الحقيقي قوة السيطرة على المشهد !!؟؟.
ريثما أرسل صورة الغرفة لرسام تشكيلي محترف ، فنان في استعمال الألوان اللائقة .
فظهرت لوحة تشكيلية جميلة في فترة أسبوع بإسم: انتصار المشاهد.
المسعودي فتحية
المغرب