lundi 18 août 2025

بقلم: أحمد لخليفي الوزاني شاعر وزانسيان

وصفة قارورة ماء
من طبيب، اختصاصي في التقويم النفسي

بقلم: أحمد لخليفي الوزاني 
شاعر وزانسيان 

دخلت امرأة إلى عيادتي النفسية في مساءٍ كئيب، وما رأيت يومًا قلبًا ينوح بصمته كما رأيت قلبها، ولا عينًا تنطق بدموعها كما نطقت عيناها. جلست أمامي، والدمع يتدفّق على وجنتيها كما يتدفّق المطر على نافذة مهجورة، وقد كساها من الحزن ما لو أبصره الحجر لانفطر.

أستمع إليها بصمت، وقد شعرت بثقل همومها على قلبي كما لو كانت أعباء الدهر كله. قالت بصوت مرتجف يخرج من صدرٍ مُثقل:
– زوجي يا سيدي، لا يعرف من الحياة إلا الغضب والعنت. يعود من السوق مثقّل الرأس، أو من طرقات الناس مرهق الجوارح، فما إن يخطو إلى بيته حتى يدخل عابس الوجه، جهم الطلعة، لا يعرف للبسمة سبيلًا ولا للرحمة موضعًا. يثور لأهون سبب، فإذا غضبه نارٌ تستعر، ولسانه سوط يلهب، ويده بطشٌ لا يرحم. فأبيت ليلتي أحدّث جدران بيتي بدموعي، وأشكو همّي إلى النجوم فلا تجيبني إلا بلمعانٍ بارد يزيدني وحدة على وحدتي.

رفعت رأسي إليها وقلت، بصوت هادئ ملؤه الحكمة، وكأنني أصف لها وصفة الحياة:
– هاتِ قارورة ماء.

أخذت القارورة بين يديها، وقد ارتعش قلبها من رجاء ضعيف، فألقيت لها سرًّا لا يراه إلا القلب المتأمل:
– إذا طرق زوجك الباب الليلة، فاشربي جرعة من هذا الماء، ولا تبلعيها، بل أمسكيها في فيك حتى يغيّر ثيابه، ويجلس إلى قهوته، ويطرح عن قلبه ثقل يومه.

فعلت ما أمرتها به، وإذا بالرجل الذي كان يدخل البيت أسدًا مزمجرًا قد غدا في تلك الليلة حملًا وديعًا؛ حاول أن يثور فلم يجد جدالًا يذكي ناره، ولا لسانًا يردّ عليه، فسكن بركان صدره، وجلس صامتًا كالموج إذ يخمد بعد العاصفة.

ومضت الأيام، وإذا البيت الذي كان جحيمًا مستعرًا قد تحوّل إلى واحة هادئة، لا يُسمع فيه إلا أنفاس الراحة وهمس السكينة.

عادت المرأة إلى عيادتي بعد حين، ووجهها يشرق بابتسامة لم أرها منذ عرفتها، وقالت:
– لقد تبدّل حالي، وانقشع شقائي، ولم يعد زوجي كما كان. فهاتِ لي قارورة أخرى، وأخبرني، ما الذي وضعت فيه هذا الماء حتى أطفأ ناري وأذهب عذابي؟

ابتسمت في وجهها وقلت لها:
– والله ما وضعت فيه شيئًا إلا الماء الزلال، وما سرّه إلا أن تمسكي لسانك ساعة الغضب، فسدّدت بذلك باب الشر، وأغلقت طريق الشيطان. وما كان بطش الزوج في يده، بل كان في فمك، فإذا صمتِّ انطفأ الشر كله.

أطرقت المرأة تفكر في كلماتي، وقد انحدرت دمعة صافية من عينها، ليست دمعة حزنٍ كما كانت من قبل، ولكن دمعة فهمٍ وعبرة، دمعة من وجد الدواء بعد طول داء.

---

✦ وهذه هي وصفة قارورة الماء مني، طبيب حكيم، اختصاصي في التقويم النفسي: أن الكلمة ساعة الغضب نارٌ تأكل القلوب والبيوت، وأن الصمت في وقته دواءٌ يسكّن العاصفة، ويعيد إلى الأرواح بردها وسلامها.

* إغتيال *  ()()()()()()() خلف أسوار القلب تغتالنا الذكريات تذهب بعض الدموع لطريق السكات  والبعض منها يذكرنا بقلب عانى آنات الآهات ياويل ع...