jeudi 14 août 2025

حسين بن قرين درمشاكي

ق.ق.ج/ وحشة الطريق

حقيبته الخشبية المتهالكة تئن تحت وطأة يده، ليس لثقلها، بل لأنها تحمل قلباً كاملاً من الذكريات. يجرّها عامر خلفه، مرساةً عالقة في محيط من الندم. على الطريق الإسفلتي الممتد، لم يكن هروبه من مكان، كان فرارًا من رائحة القهوة التي تملأ شرفته كل صباح، ونفوراً من صدى ضحكة صديقه الراحل، ومن وجهه الغريب الذي يحدّق به في المرآة.
توقفت الشمس على حافة الأفق، تاركةً خلفها خيوطًا حمراء كجرح نازف في صدر السماء. جلس على حافة الطريق، مرّر يده على ثلمة في خشبها، فتذكر موعدًا لم يأتِ. تلمّس شقًا في جلدها، فاستحضر وعدًا لم يُنجَز. فتحها؛ لم يكن فيها سوى قميص قديم، وكتاب لم تُقلَب صفحاته، وصورة لامرأة ضحكتها تشبه لحنًا قديمًا. أغلق عليها بهدوء، كمن يغلق تابوتًا.
ومع حلول العتمة، وقف عامر. رفع الحقيبة بكلتا يديه، نظر إليها طويلًا، ثم شيعها. ألقاها بعيدًا، ابتلعتها حشائش الطريق. هزّ صوت ارتطامها سكون الليل. لم يشح بوجهه خلفه، وواصل السير. في كل خطوة، شعر بقلبه أخف. أخيرًا، لم يعد هناك ما يجرّه.

حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي