آخذك معي في رحلتي عبر النفس الإنسانية، بين أحزاننا وأهوائنا وأملنا. من نباح الكلب، إلى زقزقة العندليب، ومن حديثي مع القمر والحمامة إلى درس الطاووس، أشاركك تجربتي في الصبر والجمال والغفران. هذه قصيدتي “لا فرق بين القلب والدرب”، تأمل شعري في الحب، الحزن، والتناقضات الداخلية، كما أراها وأشعر بها.
⸻
لا فرق بين القلب والدرب
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – 08.07.2024 | نُقّحت 04.09.2025
1
هل يخشى الكلبُ على نباحه،
إن تبدّد في الظلام وضاع بين مسامع الذئاب حين جرحوه؟
ورحلوا تاركينه… فشكرهم:
ورفع صوته، واستعجل صدى الليل النهارَ لنجدته.
الأمل لا يأتي مع الكراهية،
والكراهية لا تعرف طريقًا للأمل.
ضمّد جرحه بزهرة البرقوق،
وتعلّم أن للذئاب مواعيد لا تُنسى.
وهل يخشى العندليبُ سماءً رماديةً،
وهو يتلظّى تحت المطر؟
هل يوقف زقزقته، ولمن يحتجّ؟
إنه يغنّي لنفسه.
فالجمال لا يحتاج شهودًا،
والجرح لا يحتاج قبرًا،
والألم العابر عرفه القدر.
2
نحتار في التناقضات:
ندّعي الفهم، ونُنكر ما لا يناسب أهواءنا.
هل عرفنا تلك الأهواء؟
هل هي غيمة أو ضباب، أم لؤلؤة في محار النفس؟
خليط من مجهولات النفس أم رواسب الحكايات الخرافية؟
لم نعطها ساعةً لنختبر الجوارح.
بل لا نخجل حينما نصرخ بثقة المنتفعين:
يا سنابلَ القمحِ، اذهبي إلى الطاحونة،
وعودي خبزًا طيبًا فنحن خير الطالبين.
واسألي الغيم إن زرع لنا شيئًا يُذكر بالخير.
تعلّمنا التسامح مع المغالطات،
خشية أن نبدو بلهاء،
حتى صار كل شيءٍ يلاحقنا:
الغفلة وتركيز الجهد في اللا جهد،
وصرنا نقبل وجود الخفافيش تحت المصابيح المنطفئة،
نبارك لها إن دلتنا أننا موجودون.
وحين تبدأ الأحاسيس بالاستيلاء علينا، نستسلم لها وننكرها في آن.
أهواؤنا عجب، كمستثمرين في الهواء:
لا نمسك منه شيئًا، ولا نهجره،
نكرهه ونتوسل إليه.
فالاختناق أشد وطأةً من الهرب،
وتحطيم الأهواء في السماء لن يُنتج عصفورًا ينقذنا.
غربتنا نصنعها حين نغترب عن اليقين.
3
سمعتُ قمرًا يناجي حمامةً
مطلّقةً، ثكلى،
تهدل مثل فقاعات حمم البركان.
وحدتها أشبه بقبرٍ مهجور
لا يجذب حتى الذباب الأزرق المنبوذ من الأحياء.
يا لهول المصيبة… أضاعَتْ إحساسها، وهي حمامة!
ناديتُ القمر محذّرًا،
كأنني منحتُ للأعمى عيونًا،
وسيكافئني بأوّل نظرة:
قلتُ:
يا قمر، أَتصدّعتَ وبُعثِر قوامك،
وأنت كلّ ما لدينا في الليل؟
إنها حمامة، ثكلى ومطلّقة، مجهولة الشباب،
ربما ارتكبت ذنبًا، أو جاورتها الأفعى فابتلعت صغارها.
وتندب حظًا لا يساوي قلق القمر.
لا ندري لماذا الأحزان تطوف،
مجلجلةً فوق السكينة.
انظر إلى الطاووس،
يرقى بجماله ليقود العيون المعجبة.
ياليت الحمامة طاووسًا…
لما حزنت،
ولما أصرفنا من الوقت ما لا يعود إلينا،
بعطر وردة.
لا تعاتبني، فالقسوة تتردد في الأرض،
وتغلف كل من ظنّ نفسه رحيمًا.
4
ضحك القمر وقال:
“حمامتي، سيّدة الصبر،
مفتاح التطلّع إلى الحب.
يروق لي حزنها السرمدي،
بلون البرتقال عند الشفق.
جناحاها المخمليّان
رفوف لمجوهرات سماوية.
تتكلم وكأنك ترى العابرين على صهوات جيادهم،
وهم يقفزون في الهواء بلا جياد.
يصنعون الأحلام بسهو غافل،
ويبرهنون الحقيقة بعد موت الذوائب.
لا تُنكر ما تراه في المخلوقات،
فنَبع الحياة أعمق مما تراه العيون.
أصغِ إلى قلبها، وقارنه بقلبك.
لا فرق، أرجوك، لا فرق.
اترك الظنون، واتبع نشيدك.
من يرضى بنعيق الضفادع،
في ليلة قمراء أُعدّت للعاشقين،
فهو عاشق.”
5
لم أسمع نفورًا،
ولا تأجيلاً لنظرات الحب.
كلّنا غارقون في فضح ساق الآخر،
ونستحي من شكوى الأرق
في بحر التناقضات.
أهواؤنا ملغاة، حتى في الهواء.
إنه الحزن،
يتشكّل في مغالطة الفهم.
لا فرق بيننا في هذا الدرب،
إن دقّ القلب.
وما أكثر الدقات… وما أكثر الطرقات!
لكل غارقٍ حلمٌ بالنجدة،
لكن…
البحر لا يُجفّف،
والنجاة مجاز قد يُلهي الغريق.
6
يا جمال الأرض،
كيف تبدو البساتين إذا قفرت؟
وصار البرتقال يبكي ليمونه،
ومالت الجبال لتدفن البحر،
وخرجت الحيتان ملهوفة.
وأنت… يديك على وجهك،
والأنف خارج السيطرة،
واللسان رحل…
فلا كلام، ولا صوت،
تنفعه المغفرة.
ما لكل سقوطٍ وفّرت له الأقدار صخبًا،
وكم من عاشقٍ سقطوا بلا صخب.
دع الحمامة تنوح بصخب،
لو كنتَ تدري… لَبِتُّ لك في عشٍّ من عجب.
وانصتْ لصوتك، واحرص،
فكم من نارٍ حرّقت،
ونسيتْ في صخبها اللهب.
أنت ترى حمامةً وتحتار بالسبب،
وأنا أراك، وفيك
يموج بحرٌ من السحب.
فارفع يديك، واشكرْ
كلَّ من عنده سبب.
تعدّدت الأسباب،
لكن للبهجة ألفُ سبب.
طاهر عرابي – دريسدن