lundi 28 juin 2021

*** حفّار قبور …

                  قصة : مصطفى الحاج حسين .

في مقالٍ نقديّ للأستاذ النّاقد ” حسني أبو خليل ” نشره في مجلةِ ” لسان الأدباء ” ، العدد / 513 / . تحت عنوان ” خريف البيادر وتزييف المشاعر ” . وتجدر الإشارة إلى أنّ ” خريف البيادر ” هو عنوان مجموعة شعرية صدرت لي منذ أيام قليلة ، عن دار ” الصمت ” للطباعة والنشر ، وهي المجموعة التّاسعة لي على ما أعتقد ، لأنّني بصراحةٍ لا أملكُ نسخة واحدة من مجموعاتي السّابقة ، فقد نفدت كلّها من المكتبات .

لعلكم اطلعتم على مقالة الأستاذ ” حسني “ الذي راح من مطلعها ، يؤكد تزييف مشاعري في جميع قصائد المجموعة الأخيرة ، ومجموعتي كما تعلمون ، تتألّف من خمسة وأربعين قصيدة غزلية عذرية ، وهي مهداة ” إلى صاحبة أجمل خصر في هذا العصر “.

وهو في اتهامه لي بتزييف مشاعري ، يكون قد حكم بالإعدام على قصائد مجموعتي ، التي أعتبرُها من أجمل مجموعاتي ، وأنتم تعرفون الصداقة المتينة التي تربطني بالأستاذ ” أبو خليل ” ، ولا بدّ أنّكم اطّلعتم على دراساته القيّمة عن مجموعاتي الثّمانية السّابقة ، وعلى كتابه النقديّ الرائع والشهير الذي ألّفه عنّي ، تحت عنوان ” أنور عبد العليم ، شاعر الجزالة العظيم ” ، ولكي لا يقع في التناقض ، حاول أن يبرّر امتداحاته وتعظيماته لي ، عن مجموعاتي السّابقة بقوله :
– ” أنا مازلت مصرّاً على أنّ المجموعات السّابقة
 للشاعر / أنور عبد العليم / عظيمة في صياغتها ونظمها ومشاعرها ، ولكنّي مندهش تماماً لهذا التراجع الكبير ، للشاعر في مجموعته / خريف البيادر / ! ، فجميع قصائد المجموعة ، لا ترتقي إلى مستوى الشعر ، وكم أنا آسف لأنّ صديقي
الشاعر / أنور / قد أعلن افلاسه الشعريّ ، في وقت نحن بحاجةٍ ماسّة إلى شعر عظيم / . ” .

ذلك مقتطف من مقالته المنشورة ، والتي تنضح بالعداء من مطلعها حتى آخر مفردة فيها ، وأنا لا أستغرب أن يكتب الأستاذ “حسني”مثل هذه المقالة ، وبمثل هذا العداء ، لأنّي أعرف دوافعه الدنيئة ، وغير الإنسانية لكتابته اللئيمة عنّي .

      ولكن مايحزّ في نفسي ، هو أنّكم أيّها القراء الأعزاء ، لا تعرفون الأسباب الكامنة وراء مهاجمة هذا الناقد ، الذي كنت أعدّه صديقاً عزيزاً ذات يوم . لذلك قررت أن أكتب هذه المقالة لا للردّ عليه ، فهو لم يعد يعنيني على الإطلاق ، بل لأبرهن لكم بأنٌ هذا الناقد قد تجنّى على مجموعتي إلى درجة وحشيّة .

    في الأيام القليلة لقراءتي مقالته ، اعتقدت أن يحمل أحد النقاد النزيهين قلمه ليصفعه بمقالة عظيمة تدافع عن مجموعتي الأخيرة ، لذلك لم أكتب مباشرة ، وعندما يئستُ من الانتظار وأنا أهرع كلّ يوم إلى الجرائد والمجلات الصّادرة ، أتصفّحها بشغفٍ علّي أعثر على ما يشفي غليلي ، أدركت مدى جبن النقاد ، فهم لا يجرؤون على مهاجمة الناقد ” حسني أبو خليل ” لخوفهم من قلمه اللأخلاقي ، والذي لا يرحم ، حينها قررت أن أكتب بنفسي ، وأكشف لكم عن الأسباب التي دعته لكتابة مقالته السّخيفة تلك .

      جميع قصائد المجموعة مهداة إلى حبيبتي ” بيانكا ” التي أحببتها منذ التقينا أوّل مرّة ، ومنذ أن عرّفته إليها ، أي الأستاذ ” حسني ” ، وجدته قد فتن بها وبمفاتنها السّاحرة الجمال ، كانت عيناه لا تفارقانها ، من وراء نظارته ، طوال الجلسة .

كانت عيناه تلتهمان عينيها الخضراوين، ذاتَ الرّموش الملائكية ، وشعرها المسترسل، والذي كان بتطاير مع أخفّ نسمة ، وفمها المتدفق الابتسامة . 
أقول : 
– كاد يفترسها من رأسها الذي يشتهي المرء أن يضمّه إلى صدره حتّى قدميهاالعاجيتين .. كنتُ أراقبه وأنا نادم لأنّي عرّفتهما إلى بعض .. وأدركت أنّه سيحاول أخذها منّي ، كما فعل منذ سنتين ، عندما طلب منّي أن أتخلّى له عن ” نجاة ” ، مقابل تأليفه للكتاب النّقدي ” أنور عبد العليم ، شاعر الجزالة العظيم ” ، حينها وافقت لأنني لم أكن أحبّها ، بقدر حبّي ” بيانكا ” ، وأيضاً كنت بحاجة إلى مثل هذا الكتاب الهام عنّي ، إذ لم تكن شهرتي كما الآن .

عندما بدأ يحاول احراجي أمام ” بيانكا “أيقنت أنّه قرر أن يستأثر بها ، سألني بخبثه المعهود :
– أستاذ أنور .. أنت في جميع قصائدك ، تتغنّى بالسمراوات .. فكيف لك أن تحبّ فتاة شقراء وتتغزّل بها مثل ” بيانكا ” ؟!.

      اضطربت ابتسامتي على شفتيّ ، وأنا أقول في داخلي :
– هل تريد احراجي ياوغد ؟!. قلت :
– الحبّ يصنع المعجزات ، وحبّي” لبيانكا” فاق جميع الألوان .

     تألّقت الابتسامة السّاحرة على شفة ” بيانكا” القرمزيّة ، ولكنٌ ” حسني” كان مصمماً على المتابعة :
– أنتَ كلّما أحببتَ واحدةً تقول مثل هذا الكلام ، وعندما تتركها تأخذُ بشتمها . رمقتني ” بيانكا ” بنظرة استنكار واستغراب. وقالت :
– هل صحيح مايقوله الأستاذ “حسني “!؟.
– بيانكا .. لقد مررت بتجارب فاشلة .. هذا كلّ مافي الأمر .. ولكنّي أحبّكِ من كلّ قلبي.

          دوت ضحكتهُ التي صارت مقيتةً لي منذ ذلك اليوم :
– ” أنور ” اطلع من تمثيل دور البراءة هذا ! أنتَ صديقي وأنا أعرفك جيداً .. زير نساء .

         لم أعد أتمالك ، وانفلتت أعصابي ، رغم أنّي أعرف مسبقاً ، مدى حجم الخسارة ، إن عاديته ، فهو الناقد الوحيد الذي يكتب عنّي :
– ” حسني ” لماذا تحاول أن تفتن بيني وبين حبيبتي ” بيانكا ” ؟!.
– لأنّي أريدك ألاّ تخدعها … من الجريمة أن تدمر هذا الملاك الرائع ، مقابل متعتكَ الفارغة .
– ولكنّني أحبها ” ياحسني ” .. فلماذا تحكم عليّ بالكذب ؟! .
– لأنّي أعرفك حقّ المعرفة .

      صرخت بأعلى صوتي ، بينما كانت ” بيانكا ” مدهوشة من هذا الحوار :
– ” حسني” .. لا تكن أنانياً ..أنا أعرف مرماك.
– إذاً عليك أن تفهم .

وفجأة .. نهضت ” بيانكا “، واعتذرت عن متابعة حوارنا ، حملت حقيبتها ومضت ، بعد أن رمقتني بنظرة غضب وعتب .

            وحين أصبحنا وحدنا ، قلت :
– ماكنت أحسبك أنانياً ولئيماً إلى هذا الحدّ ؟!. 
ضحك ضحكته المجلجلة :
– أنا معجب ” ببيانكا ” يا” أنور ” .
– ولكنّي أحبها يا ” حسني ” .. هل جننت ؟!.
– من يتخلّى عن ” نجاة ” يتخلّى عنها أيضاً.
صرخت بحدّة ، بعد أن ضربت بقبضتيالطاولة : 
– أنت ” ياحسني ” إنسان حقير .. وأنا أعتذر
عن صداقتك .

نهض ” حسني ” عن كرسيه ، عدّل نظارته فوق أرنبة أنفه الضخم ، وقال :
– على كلّ حال سوف تدفع الثمن .. أنا الذي خلقتُ منكَ شاعراً ، وأنا الذي سيحطّمك .
هتفت :
– اذهب إلى جهنّم ، أنا شاعر رغماً عن أنفك ،
وأنف كلّ النقاد .

     ذهب ” حسني أبو خليل ” وانقطعت بيننا كلّ الصلات ، وعندما أصدرت ذات المجموعة ” خريف البيادر ” ، جاء دوره لينتقم . فهاجمني بمقالته اللئيمة . وسمعت من أحد الأصدقاء أنّه الآن يقوم بتأليف كتاب نقديّ ضخم ،عن سرقاتي الأدبية .

بهذه الطريقة المنحطّة حاول أن يقنع ” بيانكا ” أنّ مشاعري نحوها مزيّفة .. فابتعدت عنّي ، وذهبت إليه .

                         مصطفى الحاج حسين .
                                    حلب

أبواب  ببلادي مقفلةُ أبواب داري وأراها في زمن الرصاص دونما أبوابْ ببلادي تغيّرت  كلّ الأشياء حتى في مذاق الأطعمةِ وفي الشرابْ مأسور"  ف...