مذكرات سجين
الحلقة الرابعة والعشرين
✍️ بقلم / عبدالله الحداد
أيها الأعزاء
💁♂️ في الحلقة السابقة تحدثنا عن حالة الطوارئ التي حدثت في البحث الجنائي ومحيطه , وسمعنا أن قبائل البيضاء تحاصر السجن , وقد وعدنا الشيخ صقر أن يقص لنا حكاية الحصار ...
🚶🏼♂️سنذهب الآن إلى مجلس الشيخ الذي اكتض بكل النزلاء في السجن .... ولندعه يقص لنا الحكايه !!!
الشيخ صقر : هؤلاء الذين دخلو السجن قبل قليل هم قيادة وأفراد نقطة للشرطة العسكرية في الربيعي بقيادة الضابط الصبري .
هذه النقطة تقوم بالتفتيش المعتاد للمركبات التي تدخل المدينة .
🔸قال أحد الحضور : هذا شيئ طبيعي ... لكن ما هو الحدث الطارئ ؟
الشيخ صقر : صبركم قليلا ! ...
ثم يواصل الشيخ بقوله : كما تعرفون أن عمليات تهريب تمر من هذه النقطة وغيرها ... ويتم شراء ذمم العساكر المساكين الذين يحصلون على أموال مغرية مقابل تغاضيهم عن تلك المهربات .
😞 سكت الشيخ قليلا , ثم قال : أحد تجار السلاح واسمه الشيخ فهد يقوم بتهريب السلاح بأنواعه ... هو تاجر كبير وينتمي لقبيلة كبيرة في البيضاء ... ويتعامل مع كافة النقاط بدفع مبالغ مالية مقابل المرور الآمن ...
🔸ذات يوم يفاجأ المهرب بأن الشرطة العسكرية قامت بتغيير قائد وأفراد النقطة العسكرية في الربيعي فتواصل مع قيادات عسكرية ومسؤولين كي يقنعوا قيادة النقطة بالتعامل معه وتسهيل مروره , لكن كل محاولاته ذهبت هباء وتلاشت أمام وطنية هذا الضابط !!
👈 أحد الحاضرين : لله دره هذا الضابط !
الشيخ صقر : هذا هو الضابط الصبري قائد نقطة التفتيش العسكرية ... وأشار بيده إليه ... اتجهنا نحو الضابط وحييناه بحرارة ... ورفعنا من معنوياته واعتبرناه بطلا وطنيا !! .
🔸وبعد قليل توجهنا نحو الشيخ وسألناه : وماذا بعد ؟ من فضلك أكمل لنا القصة ... فقد جعلتنا متشوقون لأحداثها ؟
قال الشيخ : حبا وكرامه ! .... عندما يئس تاجر السلاح من التعامل مع الضابط ... وأيقن أن الضابط لن يسمح لهم بالمرور الآمن كما هو المعتاد سابقا بحث عن طرق أخرى ليتجاوز نقطة التفتيش العسكرية .... وفعلا بدأ بعملية التهريب الأولى ونجحت !!.
تناهى إلى سمع الضابط من خلال تحرياته أن التاجر قد وجد طريقا بعيدا عن النقطة العسكرية فشعر بأن الواجب يناديه لإيقاف هذا العبث الذي يلحق ضررا كبيرا بالوطن .... فتجار السلاح يجلبون الخراب والدمار في كل ربوع وطنننا الحبيب , و علينا أن نوقف فرق الموت لنحمي أبناء وطننا !!.
قرر الضابط التخطيط لكمين محكم يتم من خلاله إلقاء القبض على المهربين. . جمع أفراده و أطلعهم على الخطة , ثم قال لهم : أحبابي الكرام ... حراس الوطن الأوفياء ... لا شك أنكم تحبون وطنكم وتحبون له الأمن والسلام .... أيها العيون الساهرة الوطن بحاجة إلى تضحياتكم ليحيا بسلام وأمان , وإذا لم نلبي نداء الواجب الآن وقبل أن يتحول هذا الوطن وكر لعصابات الإرهاب والقتل والدمار فإننا لن نستطيع أن نفعل شيئا !!
ثم تابع القول - محفزا لهم - : يا حراس الوطن , قبل أسبوع تم تهريب صفقة سلاح للمهرب البيضاني الذي حاول إغرائنا بالمال ليشتري شرفنا العسكري فرفضت ذلك.. فهل تقبلون أن تدنسون شرفكم العسكري مقابل مال زائل ؟
أجاب الجنود : قطعا لا ... ولو بأموال قارون ! .
شعر الضابط بالإرتياح التام ثم تمتم بقوله : - الحمدلله أننا توافقنا في المبدأ وجمعنا حب الوطن - ثم خاطبهم : أيها الأبطال هل تقبلون بالتضحية مهما كانت ؟
ردد الجنود بصوت واحد : نعم نقبل مهما كانت التضحيات في سبيل الله والوطن والشعب .
قال الضابط - وهو يريد الإطمئنان أكثر - : أتعاهدوني على ذلك ؟
قالوا : نعم نعاهدك !
مد الضابط يده ثم قال : اتفقنا , وعلى بركة الله !
قالوا : اتفقنا ثم مدوا أيديهم مبايعين لقائدهم على الموت إن تطلب الأمر !
كانت هذه الكوكبة تمتلك حسا وطنيا عاليا ... ولو امتلك الوطن مثلهم في كل مؤسساته لكان الآن في مصاف الدول المتقدمة !!.
🔸أقرت الخطة دون الرجوع إلى قيادة الشرطة العسكرية .... تحركوا من عدة محاور وفق الخطة المرسومة متوغلين في عمق المنطقة بعيدا عن الطريق الرئيس الإسفلتي عبر طرق فرعية وعرة وغير معبدة حتى وصلوا إلى منطقة ضيقة تعد المخرج الوحيد لكل الطرق الفرعية !.
👈 كان من متطلبات الخطة أن يتركوا الأنوار مضاءة في مقر نقطة التفتيش وأحد الجنود .... كما قاموا بنصب أجسام خشبية بالقرب من النقطة وألبسوها الملابس العسكرية و وضعوها في أماكن الضوء خافت فيها حتى لا تكتشف بسهولة !.
🔸و عند فم الوادي نفذ الكمين !... اتخذ الجميع وضعا قتاليا لمفاجأة الهدف ثم ظلوا يرقبون الهدف بصمت . ... كان المهربون مدربين على قيادة السيارات في الظلام حتى في الطرق الجبلية والغير جاهزة لمرور السيارات .
بعد حوالي الساعة - أي في منتصف الليل - سمعوا صوت سيارة تجوب الطريق تحت جنح الظلام فحبسوا أنفاسهم و تهيأوا للقبض على رجال التهريب من خلال إعطاب السيارة !! ...
🤷♂️ لم يكن المهربون يعلمون بالكمين .... وما كانوا يتوقعونه في ذلك المكان !! .... كان مرورهم في الظلام من باب الإحتياط فقط , وحتى لا يثيروا حفيظة النقطة العسكرية ! , لكن يفعل الله ما يشاء ويختار ! .
اقتربت السيارة أكثر من موقع الكمين و كانت مسرعة كعادة المهربين تحسبا لأي كمين طارئ ... حاول الأفراد إيقافه للتفتيش لكنه ضغط على مزود السرعة فانطلقت السيارة كالصاروخ وحدث فبدأ الجنود بإطلاق النار بهدف إصابة العجلات بيد أن رصاصة أخطأت هدفها لتتجه نحو رأس المهرب الذي كان يقود السيارة بنفسه وهنا حدثت الطامة الكبرى !!!
🤷♂️ قلنا جميعا بلهفة : ماذا حدث ؟
قال الشيخ : كانت النتيجة هي مقتل التاجر , واصطدام السيارة بإحدى الأشجار الضخمة لتنقلب فيصاب بقية المهربين بكسور .
💁♂️ بعد انقلاب السيارة هرع الجنود للقبض على المهربين فوجدوا زعيم المهربين جثة هامدة بينما مرافقيه - وعددهم اثنان - كانت قد لفظتهم السيارة على جنبات الطريق في حالة إغماء .
🤷♂️ قام الضابط بإبلاغ العمليات بالحادثة ,ثم حمل الجثة والجرحى على متن الطقم الذي كان بحوزتهم ميمما وجهته شطر مستشفى الثورة العام بالمدينة ليودعوا الجثة في الثلاجة والجرحى في قسم الإسعاف الذي باسر عمله لإنقاذ الجرحى الذين أصيبوا بكسور في أماكن متفرقة من أجسادهم .
💁♂️ ما لم يتنبه له الضابط وأفراد نقطته هو الشخص الرابع من طاقم التهريب والذي لم يصب بأذى واستطاع الإختباء بعيدا عن أعين الشرطة حتى تمت مغادرة المكان وكان لديه جهاز تلفون تليمن فاتصل بأهله في البيضاء وأخبرهم الواقعة !.
🤷♂️ بعد البلاغ العملياتي تحركت الأطقم العسكرية نحو المستشفى لتلقي القبض على الضابط وأفراده ثم أتوا بهم إلى هنا كما رأيتم .
قلنا جميعا : ولماذا يحبسون قيادة النقطة مع الأفراد ؟
أجاب الشيخ : تحركت قبائل البيضاء مطالبة بدم ابنهم التاجر فقامت الدولة بالقبض على قيادة النقطة والأفراد المتواجدين تلك الليلة في مكان الحادثة .
🤷♂️ كررنا السؤال : هذه النقطة قامت بدورها الوطني في مكافحة التهريب .... ومعهم الحق في ملاحقة المهربين .... وإن قتل أحد المطلوبين فهو نتيجة لعدم التزامه بالقوانين والإضرار بالوطن ؟
أجاب الشيخ وهو متعجب من استنكارنا : العمل الوطني لا يخول لك قتل مواطن , خاصة وأن هذا المواطن قد سلك طريقا آخر بعيدا عن النقطة ....
ثم أردف قائلا : قائد النقطة وأفراده لديهم صلاحيات في نطاق النقطة ... وأي تهريب أو غيره عليهم القبض عليه وتسليمهم للجهات المختصة وفق الإجراءات القانونية النافذه في الدولة ! ... الضابط أخذ أفراده ونفذ كمينا بعيدا عن نطاق عمله, وبدون إبلاغ الجهات المختصة لتعطيه التعليمات المناسبة في التعامل مع المهربين .... ولم يعط الحق أو الإذن في المطاردة أو الملاحقة إلا إذا فر المهربون من جوار النقطة .
👈 ثم قال : الآن لابد من اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية أفراد النقطة والتمهيد لمحاكمتهم في أجواء آمنة فقد يقتل الضابط أثناء نقله للمحاكمة أو قد يداهمون هذا السجن وتحدث مذبحه لا قدر الله .
ثم سكت الشيخ وما تزال أعناقنا مشرئبة إليه !! .
قلنا له : وماذا تتوقع ياشيخ ؟