مذكرات سجين
الحلقة السادسة والأربعين والأخيرة
✍️ بقلم / عبدالله الحداد
أيها الأعزاء
💁♂️ توقفنا في الحلقة السابقة عند ذكرنا للفرصة التاريخية , فكما أخبرتكم أني كنت كمن هو في متاهة يتداولونني من مسؤل إلى آخر ....
لن أتحدث عمن غيبه الموت ومدى المتاعب التي سببها لي .... سنقول رحمة الله عليه , وجازاه بقدر نيته .
💁♂️ أعيد القول بأن الأمين العام كان شخصا يقدر المسؤلية ويحترم رعيته .... عندما سمع الحكاية استدعى كل أولئك الذين تلاعبوا بالقضية وألزم المسؤل المالي بدفع كافة التعويضات بعد تقديرها من قبل لجنة مختصة .
وافق المسؤل المالي تحت ضغط الأمين العام ....
خرج من مكتب الأمين العام وذهب إلى ( سيف )الذي استدعاني إلى بيته لتسوية الوضع من باب تضييع الوقت .... لكن مشيئة الله أبت إلا إفشال كل حساباتهم !.
🤲 ولعل دعاء والدتي قد استجاب الله له فأورد ( الفار من وجه العدالة ) إلى جوار قريتنا و كان يرافقه شخصا آخر . كان مجيئهما لجلب القات وهما يركبان على دراجة نارية من نفس نوعية دراجتي ( ياماها 100 ) ..... تعرف عليه بعض شباب قريتنا فأبلغوا الأهل والأقارب بأن الفرصة مواتية لأخذ دراجته بدلا عن دراجتي المحجوزة في البحث الجنائي !.
علمت أمي بالخبر فهرعت إلى هناك , ولحقها أهل القرية .
عندما وصلت إلى جوار الموتور قالت لأحد الشباب : بسرعه ... إصعد على الموتور .... و قده إلى بيتنا .
سمع ذلك الشخص صوت الدراجة وخرج من الحول ليجد أن القرية كاملة برجالها وشبابها وبعض نسائها أمامه .....
سأل باستغراب : لماذا تأخذون دراجتي ؟
أجابت أمي : نحن أخذنا دراجتك .... ورأينا كيف أصابك الذعر والقلق .... فكيف بمن أخذت دراجته واستغللت الصداقة بينكما , وتسببت في سجنه أشهرا عديدة .
قال : أنا و نزيه قد تصالحنا ... وعدنا أصدقاء كما كنا ! .
ردت عليه : سنرسل إليه ليأتي من المدينة , فإن قال بأنكم قد تصالحتم .... رددنا لك دراجتك .... و وصلناك إلى بيتك ! .
كان يقسم الأيمان المغلظة على أننا قد حللنا المشكلة مع بعضنا .... لكن لا يجد صدى لكلامه ....
تدخل أحد الرجال وقال له : يا ابني روح بيتك .... أنت تعرف أنه لا يكفي أخذ الموتور .... الأصل أن نقبض عليك ونسلمك للسلطات الأمنية التي تبحث عنك .
أيقن بعد ذلك أن لا مناص من الفرار بجلده ....
وصل بلاده فاستنفر وجاهاتها , وزعماء عصاباتها طالبا منهم الهجوم على قريتنا وأخذ الموتور عنوة بعد إمطار المنزل بالرصاص .
💁♂️ كان أحد أبناء عمي يمتلك هاتفا خلويا ( تليمن ) وهو الهاتف الوحيد في القرية فاتصل بأحد جيراني في المدينة يبلغني بالسفر إلى القرية . أنطلقت مباشرة إلى القرية , وهناك رأيت ما أثلج صدري وأسكن فؤادي من تجمع الناس والتفافهم حول نصرة المظلوم الذي عانى من الظلم وشبع قهرا ... شكرتهم كثيرا وجلست معهم نتشاور حول القضية , وأخبرتهم بأننا لم ولن نتصالح مع أي ظالم .
💁♂️ بعد صلاة العصر جاء أحد الأصدقاء يخبرني بأن العاقل مستاء جدا من تصرف أهل القرية , ويوجه بسرعة إعادة الدراجة النارية إلى صاحبها , ولابد أن يكون ذلك في هذه الليلة , معللا بأن هؤلاء لديهم عصابات , وأنهم قد أرسلوا تحذيرا بالهجوم على القرية ... وقال : هؤلاء لا يهمهم القتل ولا يردعهم قانون , ونحن لا طاقة لنا بهم . ... هكذا خاطبني العاقل عندما ذهبت إليه بعد مغرب ذلك اليوم المجيد .... نعم أعتبره يوما مجيدا لأنني استطعت أن أوصل رسالتي بأنني قادر على الانتقام .... وأنا صاحب الحق ....
كان العاقل محتدا في كلامه مما جعلني أخرج عن طوري , فرفضت ما قاله تماما , وقلت له : أنا مستعد لتحمل النتائج أيا كانت ! .
ثم غادرت المكان وعدت إلى منزلي .
لم يكن كلام العاقل من باب التخويف وحسب ! , لقد كان محقا فيما قاله .... لكن المظلوم كان قد وصل به الحال إلى الحافة ... ولا تراجع ..
🤷♂️ لا أريد الانتقام , فقد وكلت ذلك لرب العالمين فهو العدل , وحسابه عسير يوم تبلى السرائر ..... يوم أن يكون الظالم ليس له قوة ولا ناصر ...
أخذت الأمر على محمل الجد فجهزت نفسي لحراسة مداخل القرية مع بعض أقاربي حتى الصباح .
على الجانب الآخر عاد صاحبنا وقلبه يمتاز غيظا , ولسانه يقطر مرارة , فذهب يستعدي علينا أبناء بني ملاطف, ويصور الحدث على أنه حرابة وقطع طريق ونهب ..... إلى آخر هذه الإسطوانة التي تجد لها آذانا صاغية لدى بعض الشباب الطائش .ذهب أولا إلى الشيخ عبده الملاطفي حفظه الله , لكن الشيخ عنفه قائلا : أنا أعرف أن الأستاذ نزيه ظلم كثيرا , تركتموه في السجن دون مبالاة منكم , ولا مراعاة لأعراف ولا قيم .
ارجعوا بيوتكم ولا أسمع لكم حس , وغدا نتواصل مع المشائخ نحلها .
🙇♂️ عاد منكسرا ..... فقد نبذه الجميع .
مشاهد وصور تمر تلك الليلة ... قلق هنا وانكسار هناك .... وثمة أمور تجري في جنح الظلام ....
كان تلفون تليمن النادر الوجود قد أشعل القضية ... ووصل الخبر إلى الشيخ صقر الذي تخلى عنهم ولم يرد عليهم .... فلجأوا إلى الشيخ الهمام نجم الدين الذي تواصل مع المعنيين وقال لهم : الحل الوحيد هو إنصاف نزيه الشريف ! ,.... لا بد نخرج دراجته النارية من البحث وندفع له حق إصلاحه والتعويض عن أغرامه .
وفي الصباح جاء الشيخ بسيارته الصالون يسأل عني في بيتي في المدينة لكنني كنت في القرية , فذهب بنفسه إلى البحث الجنائي وأطلق الدراجة ثم حملها داخل سيارته الصالون إلى أمام البيت .... جزاه الله كل خير ورحمه الله رحمة واسعة .
💁♂️ وفي اليوم التالي استدعاني فذهبت إليه , فأخذني إلى المسؤل المالي الذي كان يتلكأ مدة ثلاثة أشهر فدفع المبلغ الذي أقرته اللجنة ..... بعدها أرسلت إلى أصحاب البلاد أن يرجعوا الموتور لصاحبه .
🤷♂️ يا لعثرات الزمان وتقلبات الأحداث !! , بالأمس كنت أطلب قيمة صندل فلم يلتفت إلي أحد ..... واليوم يتوددون إلي ويدفعون مبلغا باهظا يستحيل أن أحلم به مجرد حلم لولا تلك الحادثة التي غيرت مجرى القضية ! ... ألم أقل لكم. أنها ( الفرصة التاريخية )؟
💁♂️ أصلحت دراجتي وتحسنت أحوالي .... ولله الحمد والمنة .
🤷♂️ وبهذا انتهت مذكرات سجين .
نأمل أن أكون قد وفقت في تصوير بعض معاناتي التي شهدتها خلال سبعة أشهر كان سببها ثلاثة أحرف غيرت مجرى حياتي من النعيم إلى الضيق , ثم ثلاثة أحرف أخرى أزاحت عني كل ضيق وهم .
الأحرف الأولى ( ث ق ة ) , نعم الثقة الزائدة هي من جعلتني أسلمه دراجتي دون حتى أن أسأله ماذا تريدها ؟ أو أين ستذهب بها ؟ .
أما الأحرف الأخرى فهي ( ف ر ج) .
وفرج الله قريب لمن توكل عليه و اطمأن لحكمه وقضائه سبحانه وتعالى .
شكرا لمتابعتكم التي حفزتني لكتابتها ..... وشكرا للمبدعات اللائي كن سببا في إشعال ذاكرتي ......
🤷♂️ أتمنى أن أكون قد أمتعتكم .