قلمي، ألمي
لا هروب من هذه الثنائية في كل مخاض.
كل الولادات صعبة.
نحن عشاق الريشة، نعاني في البحث عن أفكارنا. نخترع معاني جديدة ذات نفع، ونستخلص منها الدروس الحكيمة. كما لو أننا، مزودون بالأسرار الربانية، تخيلنا كتابة مقدسة تخص وحينا. هذا ثمن الدخول في هوية ممزوجة بطيب الألفاظ، وبذلك نحقق نعومة الفكر ما يكفي من الاهتمام ليكون التأمل خفيفا...
صياغة الفن الجميل هي مسألة فخر. والفنان طفل مهما يكبر.
كل الأدباء ينظمون الكتابة لأنفسهم ويلتمسون فيها لذتهم ومتعتهم. ولكنهم لا ينعمون بهذا الخلق إلا إذا أذاعوه ورجع إليهم صداه بعد أن يسمعه الناس.
فالإنتاج الحقيقي الذي يحمل طابعا يمثل فيه الكاتب طبيعة واقع الحياة وبيئته... لذا ، فإن الكلمة ليست وسيلة للأداء فحسب بل هي ثمرة الإبداع اليانعة وان التجديد يعد سمة الفنان المبتكر والكاتب المقتدر.
كان رغيف حروفي لذيذ الطعم... يتعاطى معي وكأنه راقصة كابري لا تتوقف أمامي إلا عندما تلاحظ تمركزها في قلبي.
البشر هم الحيوانات الوحيدة التي تقوم بإنتاج دموع عاطفية. دموع الحسد لمن خلق هذا الماضي وأنهى فيه، الرأس، الأعصاب، المعرفة، اللغة... والعقل والمعقول. كل شيء يلمسه الفنان سيتم قفله في صور جميلة.
عندما كنت في جنوب البحر المتوسط كان لساني يتحرك ويجهز الضربات ضد أي دخيل يظن أنه يعرف كل شيء لكنه لا يعرف شيئا.
آه يا نرسيس، لقد انقلبت قسوة كلامي على. رأى البعض فقط المروج والهدوء واللحن الربعٓوي. صرت أتنقل بين الجثث الحية الميتة. فهربت بقلمي وكراسي وأفكاري.
كانت مدنهم تشبه هذه الأجساد الرقيقة. لا تقرأ. تعيش أيامًا هادئة دون طموح.
أعرف أن الأسطورة تهيئ المعرفة دائما، وكل أخشاب المشاعر الميتة تذهب إلى الاختراع، والفكر ليس ملكا لأحد، فهو فقط تقليد للواقع. كلما كتبت أكثر، كلما آذيت نفسي أكثر...
فالتسامح ليس هو أبا النسيان. ونذكٌر بالكتابة أن أي عنف يتم القيام به تجاه الآخرين هو عنف يمارسه الفنان على نفسه. فهكذا تصبح لغة الآخر لغتنا. ونكتب ونمحي ونعاود نخطط ونمزق أحيانا وندوٌن أخرى.
كان عليٌ أن أخرج عن الأعراف البشرية، فكل منا ينتظر ميلاده. لا يمكن للوعي أن يكون نشط حقا إذا لم يكن مرتبطا بالروح العميقة لهذه الأرض. كان من الضروري أن أحمي المولود الجديد.
قبل الوصول إلى هذه المرحلة من الإبداع الأدبي، كان علي أن أواجه ظلالي و أتصالح مع ماضيي. ولا يمكنني أن أتوقع من الآخرين ما لم أفعله بنفسي.
الطفل الذي لم يولد بعد يعرف مدى ثقل حمله.
بقلمي عبدالفتاح الطياري