lundi 7 octobre 2024

ذكريات الوجع 

أكداس من ذكريات الماضي
نائمة منذ عقود 
في جمجمة رأسي
في كل ليلة
لحظة ساعة النوم
وعندما أغفو قليلا
تثور زوابع الوجع
أو ذكريات الوجع 
يفر النوم من عيني
وأبقى صاحي حتى طلوع الفجر
أبيت سهران مع كابوس الماضي
كابوس الألم ..كابوس الوجع..
أتذكر حبيب كان عينا لي
وبها كنت أرى.. 
ولما رحل وفارقني وانتهى
صرت أعمى كفيفا لا أبصر ولا أرى 
كان ليلي المقمر
وكان صبحي المشمس
كان عقلي المدبر
وكان بوصلتي 
كلما تهت في بحار الدنيا
حين تتلاطم الأمواج العاتية
لتغرق مراكبي
كل الذكريات تتلوها ابتسامة
تتلوها دمعة 
تتلوها حسرة وتمني
راح الماضي ورحل
فارقني الغالي وارتحل
وسرت وحيدا شريدا 
في دنيا فقدنا فيها الأمل
لم تبق سوى ذكرياته المؤلمة
وأقول ذكريات مؤلمة رغم جمالها
لأنني كلما أتذكرها وأذكرها
تخلف لي مر الألم والوجع 

بقلمي يوسف بلعابي تونس
********************
نقد وتحليل 
أستاذ يوسف بلعابي،

تحية تقدير واحترام لروح النص وجمال العبارة. إن "ذكريات الوجع" ليست مجرد كلمات تُسطر في سياق شعري أو أدبي، بل هي لحظة شعورية تتجلى في نص مفعم بالأحاسيس المرهفة، يعكس عُمق التجربة الإنسانية وتضارب مشاعر الفقد والألم. يحاكي النص حالات الوجع التي تتسلل إلى وجدان الإنسان حين يُفارق من أحب، تاركًا خلفه شروخًا من الحنين الذي يتكئ على ذكريات الماضي، رغم ما فيها من جمال، إلا أنها تُخلف أثرًا غائرًا يُنذر بالوحدة والتشتت.

لقد صورت في نصك تجربة الفقد وكأنها عاصفة تقتحم الذاكرة كلما هدأت الأعين للنوم، لتُحيل الليل إلى سهر لا ينقضي، حيث يقف الإنسان في مواجهة نفسه دون عون، محاصَرًا بذكريات لم تعُد ملكه وحده، بل أصبحت جزءًا من الوجع الذي يسكن الذاكرة ويُشكّل الوعي. هذا الوجع يظهر في كل حرف وفي كل جملة، ويصير رفيقًا للذاكرة في رحلة البحث عن أمل لا يُرى، تمامًا كما وصفت الحالة "صرت أعمى كفيفًا لا أبصر ولا أرى". إنها حالة من العمى الشعوري التي تعني الفقد المطلق للبوصلة، وتضارب السبل وسط بحر الحياة.

إني أرى في نصك تمازجًا بين تناقضات المشاعر؛ فمن ناحية يظهر النص كتجسيد للفقد واليأس، ومن ناحية أخرى يبرز شغفًا غريبًا بالحياة، وشوقًا لا يهدأ. هذا الشوق يتجلى في حالة التذكر التي وصفتها ككابوس ليلي، لكن بريق الذكريات الجميلة التي تصفها بجمالها وبابتسامتها تُكسب النص بعدًا إنسانيًا يتجاوز الألم إلى مرحلة المصالحة مع الذات، رغم مرارة التجربة.

أنت في نصك قد خلقت تباينًا فلسفيًا ما بين جمال الذكريات وشدة الألم الناتج عنها، وكأنك تشير إلى أن الجمال هو منبع الألم، وهو بحد ذاته التناقض العميق في الحياة. فحين يرحل من أحببنا، يترك خلفه فراغًا يملؤه الوجع، فراغ يُذكرنا باستمرار أننا عشنا لحظات كان لها من القوة والتأثير ما جعلت حاضرنا لا يُطاق. إن فلسفة التعلق بالماضي، رغم رحيله، تجسّد فكرة أن الحاضر أحيانًا لا يحمل لنا سوى مرارة التذكر ووجع الفقد، في حين أن الماضي يُزين لنا ذكرياته بما يكفي ليُحيلنا إلى سجناء الألم، أسرى ذاكرة لا تنسى.

في نقدي لهذا النص، أجد أن النص يتسم بسلاسة التعبير، ويعتمد على صور بصرية حسية قوية تجعل القارئ يشعر بألم الكاتب وكأنه جزء من تجربته الخاصة. التعبير عن الوجع والذكريات جاء على نحو مجازي واضح، إذ جعلت من الذاكرة أشبه بجمجمة الرأس التي تضم تلك الذكريات، وكأنك تُحاكي حدود العقل وما فيه من تجليات. كذلك، استخدامك لكلمات مثل "كابوس" و"بحار الدنيا" و"تلاطم الأمواج" يُضيف للنص بعدًا دراميًا وصورة رمزية للصراع الداخلي مع النفس والذاكرة.

ختامًا، أشكرك على هذا النص العميق الذي يفتح أبوابًا واسعة للتأمل والنقاش، وأحييك على قدرتك في التعبير عن الوجع بلغة شاعرية وصور متقنة. إن نصك يعكس تجربة إنسانية حقيقية تتكرر في حيوات الكثيرين، وتجعل من الألم موروثًا إنسانيًا يمكننا جميعًا فهمه والشعور به.

الدكتور محمد آدم أبوقرون 
كاتب وناقد

أبواب  ببلادي مقفلةُ أبواب داري وأراها في زمن الرصاص دونما أبوابْ ببلادي تغيّرت  كلّ الأشياء حتى في مذاق الأطعمةِ وفي الشرابْ مأسور"  ف...