السَّلامُ عَلَيْكُمْ،
أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا جَمِيعًا بِخَيْرٍ رَغْمَ تَنَاوُبِ النُّوَبِ عَلَيْنَا وَالكُرَبِ.
يَبْدُو أَنَّ عَوَالِمَ الحَيَوَانَاتِ قَدْ وَجَدَتْ فِيَّ الوَسِيطَ الأَمِينَ لِنَقْلِ رَسَائِلِهِمْ لِجَمَاهِيرِ البَشَرِ، ذَلِكَ لِأَنِّي مِنَ القَلِيلِ الَّذِينَ يُجِيدُونَ التَّفَاهُمَ مَعَ الحَيَوَانَاتِ، وَهِيَ مَهَارَةٌ قَدْ تَكُونُ خَيَالِيَّةً اكْتَسَبْتُهَا مِنْ أَفْلَامِ د. دُولِيتِل أَوْ رُبَّمَا مِنْ قِصَصِ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ مَعَ النَّمْلَةِ وَالهُدْهُدِ، وَرُبَّمَا مِنْ جُونَاتَان سْوِيفْت وَرِحْلَاتِ بَطَلِهِ جُولِيفِر.
لَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَ عَلَيْكُمْ، فَقَبْلَ عِدَّةِ لَيَالٍ زَارَنِي فِي بَيْتِي بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، وَالكُلُّ نِيَامٌ، ضَيْفٌ مِنْ عَالَمِ الخَيْلِ يُدْعَى "حَسّانُ بْنُ فَرَسٍ". وَبَنُو فَرَسٍ عَائِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِكَرَمِهَا وَأَصَالَتِهَا وَحِسِّهَا الوَطَنِيِّ، تَسْكُنُ قُرْبَ بُخَارَى وَتَشْتَهِرُ أَيْضًا بِحُبِّهَا لِلشِّعْرِ وَالأَدَبِ.
اعْتَرَتْنِي الدَّهْشَةُ لَمَّا فَتَحْتُ البَابَ، وَصُدِمْتُ لَمَّا كَلَّمَنِي بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ مُزِجَ بِنَغْمَةٍ فِيهَا مِنَ الصَّهِيلِ الشَّيْءُ الكَثِيرُ. حَاوَلْتُ أَنْ أُدْخِلَهُ إِلَى المَنْزِلِ غَيْرَ أَنَّ غُرَفَ بَيْتِي صَغِيرَةٌ وَلَا تَتَّسِعُ لِلْحِصَانِ. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ طَلَبَ أَنْ نَجْلِسَ فِي حَظِيرَةِ السَّيَّارَةِ. فِي الحَالِ اسْتَجَبْتُ لَهُ. أَخْرَجْتُ سَيَّارَتِي إِلَى السَّاحَةِ وَأَحْضَرْتُ حَصِيرَةً وَفِرَاشًا كَبِيرًا وَعِدَّةَ وَسَائِدَ. تَمَدَّدَ عَلَى الفِرَاشِ وَرَاحَ يُكَلِّمُنِي عَنْ سِرِّ زِيَارَتِهِ وَحِوَارِهِ الشَّيِّقِ مَعَ سَيِّدِنَا خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ. وَعَلَى حَدِّ قَوْلِهِ، فَإِنَّ الحُلْمَ هِيَ تِقْنِيَةُ اتِّصَالٍ وَاقِعِيَّةٍ فِي بِلَادِهِمْ. وَلَمَّا حَصَلَ عَلَى مُوَافَقَتِي أَنْ أَنْشُرَ قَصِيدَتَهُ عَلَى صَفْحَتِي فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا وَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي مَضْغَهِ عُشْبَةٍ خَضْرَاءَ تُشْبِهُ نَبَاتَ الفُولِ وَتُسَمَّى "صَهِيل" فِي لُغَتِهِمْ.
كَانَ اللِّقَاءُ قَصِيرًا وَلَكِنْ غَنِيًّا بِالمَعْلُومَاتِ. وَبِمَا أَنَّهُ وَعَدَنِي أَنْ يُعِيدَ الزِّيَارَةَ لِيَرَى وَقْعَ القَصِيدَةِ عَلَى البَشَرِ، سَمَحْتُ لَهُ بِالإِنْصِرَافِ.
وَإِلَيْكُمُ القَصِيدَةُ كَمَا أُمْلِيَتْ عَلَيَّ. وَرَغْمَ بَقَايَا نَبْتَةِ حَسَّانَ بْنِ فَرَسٍ، وَحَالَةِ الفَوْضَى دَاخِلَ البَيْتِ وَالسَّيَّارَةِ إِلَّا أَنَّ أَهْلِي أَصَرُّوا عَلَى أَنَّ القَصِيدَةَ مِنْ نَتَاجِي وَأَنَّ حَسَّانَ نَتَاجُ خَيَالِي الوَاسِعِ الَّذِي بَدَا يَأْخُذُ مَسْلَكًا غَرِيبًا فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ.
قَدْ زارَني في مَنامِي غُرَّةُ العَـرَبِ
ابنُ الوَلِيدِ المُفَـدّى بَـارِقُ الشُّهُبِ
يَسعَى كَـطَودٍ عَريضِ الهَامِ مُنتصِبًا
شَرَارَةُ الغَيظِ في عَيْنَيْهِ كَاللَّهَبِ
ناديتُ مَرحى بسيفِ اللهِ مُنتشيًا
بورِكتَ يا خيرَ أَهلِ الـجاهِ والحَسَبِ
يا خالِدَ الذكْرِ يا ليثَ اللـيوثِ أمَا
يَكفيكَ أنَّكَ سـيفُ اللـه لم تَـخِبِ
في أيِّ موقِعَةٍ خضتَ الغِمارَ بـها
إلَّا وذِكرُكَ يَــسـمــو أرفعَ الرُّتَــبِ
لمْ يَحظَ منْ قائدٍ مـِمَّا حَظِيتَ بـهِ
شَكِيمَةً سُـطِّرَت في أَقدَسِ الكُتُبِ
أَهـديكَ في كلِّ صبـحٍ ذَرَّ شَـارقـةٍ
فمنْ يُضـاهيـكَ قد ناصرتَ خَيْـر نَـبِي
أبَا سـليمانَ كـمْ منْ أسـهُمٍ رُشقَتْ
لمْ يبقَ مَوضعُ شـبرٍ فيكَ لم يُصَبِ
أَطْرى عليكَ رسـولُ اللــهِ مَـكْرُمـةً
فكنـتَ للجُندِ في الشدّاتِ خيرَ أَبِ
أنْـظـرْ! عَـرانـا مِـنَ الأَيـامِ نــازِلــةٌ
دَكّتْ حِـمانـا فلولُ الكُـفرِ والعـرَبِ
ارفَـعْ لَـنـا رايةً نَـمـشي بِـهــا أمَـلًا
نَرمي جنودَ العِدا في شـرِّ مُنـقلبِ
نَبْغي رباطةَ جأشٍ قد وُصِفتَ بها
كَيـما نَـقي عزَّنا منْ مخـلبِ النُّوبِ
أُتركْ لنا سيفَكَ المسلولَ مُستَندًا
قد كانَ سيفُكَ حقًّا رادعَ الـكُرَبِ
فاشتاطَ سُخْطًا بما أخبرتُ مُختصِرًا
وصاحَ: هل زالَ ما أحرزتُ من تَعَبٓ؟
خضتُّ المعـامِعَ لـم أُهزمْ بواقِـعةٍ
وناصَ رأسُ الخَنا إذ ذاقَ من غَضَبِي
أقمتُ حرباً ضَروسـاً كـي أذيقَـهمُ
روعًـا يُسـهِّـلُ عذرَ الخصمِ للهـربِ
رغمَ الجراحِ وما عانـيتُ منْ لَـغَبٍ
جدّيتُ كي أنصرَ الإسلامَ في الطَّلـبِ
ما بالُكم صارتِ الغربانُ فيكمُ حكَمًـا
بل ضاعَ إِرثٌ لمَجـدٍ خَيرِ مُكتَسَبِ
يا صاحِ لا تـأمَـنِ الأيامَ ، شـيمتُهـا
مـيَّـالـةٌ لاتـِّباعِ الـغَـدرِ والـكـَـذِبِ
يا لـيتَ بدرَ شبابِ العُـمْـرِ مكتـمـلٌ
فـإِنْ تولتْ ليالي الأُنـسِ لـمْ تَـؤبِ
فـعُدْ إلى اللهِ حـالًا أنـتَ مُنْـتصِرٌ
واشمخْ فَحَسبُكَ مـا أحرزتَ من لَقبِ
إِنْ لم تكنْ لكَ فـي الأَقوامِ مَنزِلةٌ
كفى حبالُ التُّقى موثوقةُ النَّسبِ