.."رؤيا"
منذ خروجِهِ للمعاشِ واعتلالِ قلبِه الطيبِ وهو يواظبُ علىٰ الخروجِ مبكرًا برفقةِ صديقِِهِ الشاعر٠ لِيُحْضِرَ الخُبزَ الطازجَ يوميًا من المخبزِ الكائنِ في أقصىٰ المدينةِ كنوعٍ من التريضِ الذي نصحَهُ به طبيبُهُ المعالجُ ولجودةِ خبزِ ذاكَ المخبزُ البعيد٠
يحملُ أرغفتَهُ برضَا نفسٍ
عائدًا مُهرولًا مُستنشقًا بِغبطةٍ الهواءَ النقيَّ قبلَ أن يلوثَهُ عادمُ المَركباتِ وأنفاسُ مرضىٰ النفوس٠
مارًا بمطعمِ صديقِ أبيه الراحلِ منذُ نصفِ قرنٍ إلا خمسًا مُبْتاعًا المقررَ اليوميَّ من الطعميةِ الساخنةِ والفولِ بالدَّقَةِ والطحينةِ والليمونِ والذي يُعَدُّ إعدادًا خاصًا دون طلبٍ منهُ إكرامًا لوجهِهِ البشوشِ وابتسامَتِهِ المعهودةِ والآسرةِ ووفاءً لأبيهِ رحمَهُ الله ٠
يصعدُ الدَّرجَ بروحِ رجلٍ في عِقْدِهِ الثالثِ ٠ وبقلبِ شابٍ عشريني
يدخلُ شَقَّتَه بالدورِ الثالثِ يتوجَهُ إلىٰ المطبخِ ليُعِدَّ الفُطورَبنفسِهِ مُسَبِّحًا سابحًا في ملكوتِ ربِّه٠ِ
يضعُ الخُبزَ والأطباقَ على المنضةِ الصغيرةِ يهمسُ برفقٍ لرفيقةِ عمرِهِ: كله تمام يا فندم !
تبتسمُ وتحاولُ جاهدةً مُغالبةَ إغفاءةِ مابعدَ صلاةِ الفجرِ تُحَفِّزُها رائحةُ الخبزِ الطازجِ وطبقُ الفولِ ذو السِّرِ العجيب٠
يُجْهِزان معًا علىٰ كلِّ الطعامِ حَامِدَيْن شَاكِرَيْن ربَّهما على نعمه وآلائه ٠ ثم تتولىٰ هيَ كالعادةِ إعدادَ كُوبَيْ الشاي٠
ثم تُكملُ شئونَ بيتِها ويتوجَهُ هُو لأخذِ قسطٍ من الراحةِ ٠
مُسافرًا بخيالِه الخِصبِ وذاكرتِه التي تأبىٰ أن تشيخَ أو يُصيبَها ما أصابَ قلبَه من وهن٠
يبتسمُ ويسافرُ إلىٰ حيثُ تقودُه خواطِرُه وأنفاسُ ذكرياتِه العبقةِ ٠
يُغمضُ عينيِه ويغفُو٠
وإذا بِهِ وكأنَّهُ دخلَ مسجدًا وقتَ صلاةِ فجرٍ كان المسجدُ مُمتلئًا بمُصلينَ من كافةِ الأعمارِ وقد غشيَتهُم سكينةٌ ووقار٠ ظل يتقدمُ ويتقدمُ وكلما تقدمَ أُفْسِحَ الطريقُ أمامَ خُطاهُ حتىٰ وصلَ إلىٰ أناسٍ يعرفونَهُ عينَ اليقينِ أما هو فيعرفُ وجهوهَم جيدًا ولكنْ لايعرفُ أسماءَهُم ٠ استقبلوهُ باشِّين فرحِين مُرحِبِين بقربِهِ منهم .جلسَ حيثُ قَدَّمُوه٠ فرأىٰ علىٰ بُعدِ خُطُواتٍ منهُ شيخًا وقورًا يُشِّعُ النُّورُ من وجهِه يجلسُ في المحرابِ يتلُو آياتِ الذكرِ الحكيم٠
غابَ صاحبُنا وهامَ في روحانياتٍ مُحلقًا في عوالمَ من الصفاءِ فرأىٰ بعينيْ قلبِهِ مَالَا عينٌ رأت ولاخطرَ علىٰ قلبِ بشر.
ثمَّ عادَ من رحلتِهِ البعيدةِ في لمحِ البصرِ والتي غلستْ روحَه وجوارحَه بسعادةٍ ونشوةٍ لم تمنحاهُ مُجَرَّدَ سؤالِ نفسِه كيف ولم عاد؟!
وإذا بِهِ يعودُ من عودَتِه الأُولىٰ إلىٰ عالَمِهِ الافتراضِيِّ فَيَرَىٰ رسالةً عبرَ الوتس
-كيفكَ استاذِي ؟
لعلَّكَ بخير٠
مَاجديدُكَ ؟
انا مازلتُ في شُرفةِ الإنتظار٠!
ابتسمَ وَرَدّ:
-الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا
أجلْ أنا بخير٠
أمَّا جديدي فقصةٌ قصيرةٌ تَفَّتَقَتْ من حلمٍ جميلٍ سأوافيكِ بهَا بعدَ قليل٠
أفاقَ من غفوتِه مُبتسمًا مُسِّبحًا ذاكرًا٠
ومعَ رَشْفاتِ كوبِ الشَّاي
بدأ يسطرُ رُؤياه
.."ق.ق.ج"
بسم الله الرحمن الرحيم
"أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كَنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونْ"
صدق الله العظيم
عني وبقلمي