lundi 25 novembre 2024

أ. د. لطفي منصور
التَّرْجَمَةُ إلى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ:
أَثارَ أَحَدُ الْمُهْتَمِينَ بِالشِّعْرِ الْعَرَبِيِّ قَدِيمَهِ وَحَدِيثِهِ قَضِيَّةً مُهِمَّةً تَتَلَخَصُ فِي السُّؤالِ الْآتِي:
لِماذا لَمْ يُتَرْجِمِ الْعَرَبُ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى الشِّعْرَ الْأّجْنَبِيَّ
إلى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُمْ تَرجمُوا عُلومَ اليونانِ وَالرُّومانِ وَالْفُرْسِ والْهِنْدِ وَفَلْسَفَتَهُمْ؟
أَجَلْ عَزَفَ الْعَرَبُ عَنْ تَرْجَمَةِ الشِّعْرِ وَخاصَّةً الْمَلاحِمَ الْكُبْرَى، وَهَذِهِ حَقيقَةٌ لا شَكَّ فِيها.
أُثِيرَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مُنْذُ الْقِدَمِ، وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكُمُ الْعُزُوفَ بِافْتِخارِ الْعَرَبِ بِشِعْرِهِمْ، وَتَفْضِلِهِمْ لَهُ عَلى سائرِ الشِّعْرِ. وَالْجاحِظُ أَوَّلُ مَنْ قالَ هَذا في كِتاباتِهِ.
لَسْتُ مِمَّنْ يَتَّبِعُونَ هَذِهِ النَّظَرِيَّةَ وَاعْتِقادِي الْجازِمُ أَنَّ هُناكَ سَبَبًا آخَرَ مَنَعَهُمْ مِنَ الِاقْتِراب مِنَ الشِّعْرِ الْأَجْنَبيِّ، ألا وَهُوَ أنَّ الشِّعْرَ لا يُتَرْجَمُ، وَإنْ تُرْجِمَ يَفْقِدُ فَنَّهُ وَحَرارَتَهُ وَحَيَوِيَّتَهُ، وَالتَّجارِبُ خَيْرُ بُرْهانٍ لِما أَقُولُ.
الشِّعْرُ فَنٌّ يِعَبِّرُ عَنْ مَشاعِرِ الشّاعِرِ، وَإحْساسِهِ، وَعَواطِفِهِ بِأَدَّقِّ الصُّوَرِ. حَتَّى فِي لُغَةِ الْأُمِّ يَجِدُ الشّاعِرُ أَحٌيانًا صُعُوبَةً فِي التَّعْبيرِ عَنْ خَواطِرِهِ مَعَ اتِّساعِ اللُّغَةِ وَمُرونَتِها وَاشْتِقاقِها، فَكَيْفَ بِاللُّغَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ؟
الشّاهْنامةُ (كِتابُ الْمُلُوكِ ) مَلْحَمَةُ الْفُرْسِ الْكُبِرى نَظَمَها الْفِرْدَوْسِيُّ تَضُمُّ سِتّةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ عُيُونِ شِعْرِهِمْ، تُرْجِمَتْ إلى الْعَرَبيَّةِ في الْعَصْرِ الوَسِيطِ. تَرْجَمَها نَثْرًا الْفَتْحُ عَلِيُّ الْبَنْداريُّ عَنِ الْفارِسِيَّةِ، وَهُوَ شاعِرٌ فارِسِيٌّ يُجِيدُ الْعَرَبِيَّةَ، وَعَلَّلَ هذا النَّثْرَ مُحَقِّقُها عَبْدُ الْوَهّاب عزّام بِقَوْلِهِ: "إنَّهُ لا يَخْفَى أَنَّ الشِّعْرَ إذا تُرْجِمَ ذَهَبَ رَوْنَقُهُ، وَبَهَتَ رُواؤُهُ". ثُمَّ تَرْجَمَ مَطْلَعَ الشّاهنامةِ الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثّاني شِعْرًا:
- يَخُرُّ عَلى الدَّهْرِ كُلُّ بِناءْ
بِقَطْرِ السَّحابِ وَحَرِّ ذُكاءْ
- بَنَيْتُ مِنَ الشِّعْرِ صَرْحًا أَغَرَّ
يُمِلُّ الرِّياحَ وَيُعْيِي الْمَطَرْ
(ذُكاءُ: الشَّمْسُ، يُمِلُّ: يُتْعِبُ وَيُعْجِزُ، مِنَ الْمَلَلِ . الْمَعْنَى إنَّ صَرْحَهُ الشِّعْرِيَّ خالِدٌ أَقْوَى مِنَ الْبِناءِ)
الْمَثَلُ الثّانِي تَرْجَمَةُ الْإلْياذَةِ لِهومروس شِعْرًا. تَرْجَمَها سُلَيْمانُ الْبُسْتاني. لَكِنَّ شِعْرَها مِنَ الصَّعْبِ قَبولُهُ، وَعَظَمَةُ كِتابِهِ في مُقَدِّمَتِهِ الْمُطَوَّلَةِ (تَقَعُ في مِائَتَيْ صَفْحَةٍ) وَأرَى أَنََها خَيْرُ ما كُتِبَ عَنِ تاريخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ.
والْمَثَلُ الثالِثُ تَرْجَمَةُ رُباعِيّاتِ الْخَيّامِ لِأحْمَد رامي، تَرْجَمَها شِعْرًا عَنِ الْإنْجِليزِيَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الْأَصْلِ الفارِسيِّ، فَقَدْ تَرْجَمَ التَّرْجَمَةَ، فَانْظُروا كَمْ هي خسارَةُ الْأَدَبِ العَرَبِيِّ منَ الْأَصْلِ الفارِسيِّ.
وِإنِّي أُحَذِّرُ الْباحِثينَ في الْعُلومِ الْإسْلامِيَّةِ وَالْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ، الَّذينَ يَسْتَشْهِدُونَ بِأَقْوالِ الْعُلَماءِ الْغَرْبِيِّينَ (المُسْتَشْرِقِينَ) إعْتِمادًا عَلى التَّرْجَماتِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْمَوْسوعَةِ الْإسْلامِيَّةِ وَغَيْرِها مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَرْجَمَةِ، التَّسَرُّعَ فِي قَبولِ ما تُرْجِمَ دُونَ التَّأَكُّدِ مِنَ الْمَصْدَرِ الّذي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْمُسْتَشْرِقُ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. لِأَنَّ هَؤلاءِ الْعَلَماءَ لَمْ يَكْتُبُوا لَنا، بَلْ كَتَبُوا وَيَكْتُبُونَ لِشُعُوبِهِمْ وَدُوَلِهِمْ. فَإمٍكانِيَّةِ التََحْريفِ وَالتّزْويرِ وارِدَةٌ.
شَيْءٌ آخَرُ أَرَدْتُ الْإشارَةَ إلَيْهِ فِي التَّرْجَماتِ مِنَ الْإنْجِلِيزِيَّةِ إلى الْعَرَبِيَّةِ، أنَّ كَثِيرًا مِمّا يَصْلُحُ في الْإنْجِليزِيَّةِ لا يَصْلُحُ في الْعَرَبِيَّةِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ كَفِعْلِ الْكَيْنونَةِ والضَمائِرِ والظُّروفِ وَغَيْرِها.

علوان النص : أمّي الحنون لها فضلي  أمّي الحنون لها فضلي إلى الأبَد إذْ إنّها دُرّةٌ و الفَرَجُ في كَبَدِي نفسي تطيب إذا أمّي تحدّث...