رغم عتمة الليل وظلمته فإن النهار يرسل تباشيره ملوحا بصبح تشرق فيه الأنوار على العوالم ، يتنفس القدر مفرجا أبوابا كانت مغلقة، يكشف مواجع كانت تعكر حياة المظلومين .
و رغم ذبول النبات وورق الشجر في الخريف فإن بسمة الرّبيع تفتح أكمام الأزهار ، فتخرج منه براعم الأغصان تشرع أبواب حياة الهناء للطبيعة ، فتبسم الدنيا فرحا و طربا .
ورغم ضنك الحياة وصعوبة العيش في عالم الأشباح المتوحش الذي يقوده وحيد قرن شغله خنق أنفاس البرايا ، فإن إرادة الحياة أقوى ، تثبت وجودها ، تصارع في تحد لتستمر الحياة .
ورغم كبرياء الظلم وجبروت المستكبرين في الأرض ، من يتوعدون إحراق الأرض وقطع الضرع ، يستكبرون بلا حياء ، أن السماء و الماء بأيديهم ، و الماء و الهواء تحكمهام أقدار السماء .
تعلمنا الحياة أن قانونها متجدد ، يحتوي ألوان قوس قزح ، لا غلبة فيه للون على لون ، فمن امتزاجها تشكل الألوان ،قانون عادل ، أقوى بنوده أن البقاء للأصلح.
ورغم الموازين المضطربة التي تحاول عبثا سرقة نضارة الحياة و جمالها ، تسرق حياة الفضيلة تسرق حياة البراءة من الطفولة المسالمة
، فإن بصيص الأمل يخرج من تحت الأكداس و بقايا البيوت المهدمة ، يلوح بالفرج القريب.
رغم كل هذه النقاط المتوثرة القلقة في عالم وحيد القرن الذي يهوى نشر الفوضى الخلاقة ، يظل يحاول فرض سيادته و هيمنته على الضعفاء والمقهورين لكن ديدن عالم الأحرار يرفض هيمنته وكبرياءه ، يرفض الأغلال و القيود التي يفرجها على عالم العبيد .
حقائق مؤكدة أن الشدائد لا تدوم ، و أن المحن مهما طالت فسوف يعقبها المنح ، و يظل الصبر مفتاح الفرج ، و أن أبواب السماء تظل مفتوحة لا تغلق ، و وتبقى أيام الظلم معدودة ، ورغم كل شيء يبقى الله وحده ناصر المظلومين .
وختم الخاطرة مسك رحم الله العلامة الورع ابن النحوي القيرواني، صاحب قصيدة المنفرجة في بدايات القرن الخامس الهجري، التي جاء في مطلعها
“اشتدي أزمة تنفرجي… قد آذن ليلك بالبلج”.