فِي بَاحَةِ كُوخِهِ مُدٌّ مِنْ الْكُتُبِ عَلَا،
شَامِخٌ كَالْجَبْلِ،
كَأَنَّهُ حصنُ بْروبْدنچْنَاچْ، هَائِلٌ وَعَظيم
تَارِيخُهُ مِنْ الْأَزَل،
وَمِنْ عَالَمِ چوليڤر أَتَى
فِي رُكْنِهِ تِلَال
مِنْ الْمَجَلَّات،
وَارِفَةُ الظِّلَال
زَعَمُوا إِرْثٌ قَديم!
فِي كُلِّ صَفْحَةٍ سَنَوَات
كَلْحَظَات،
سَرِيعَةِ الزَّوَال،
ضَيْفٌ غَدَا وَرَاح
مَا لَهَا مِنْ قَرَار
كَطُوفَانِ هِكْلَبِيرِي،
وَوَرْدِ البحتري
يَحُومُ بِلَا جَنَاح.
فِي سِنِّ السِّتِّينَ تَتَفَتَّقُ الْأَفْكَار
تُسَطَّرُ الْكُتُب،
تُنظم الأشعار
ويضحكُ الأعشى
فِيهَا حِكَايَاتٌ عَنْ مَجْدٍ تَلِيد
عَنْ وَرْدٍ وَأَزْهَار
لِيُحْمِلَهَا مِنْ بَعيد،
نُجُومٌ وَأَقْمَار
مِنْ جِيلٍ جَدِيد.
" أَلَا لَيْتَ شِعْرِي
هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً
بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِر وَجَلِيلُ"
مُغَامَرَاتٌ شَيِّقَة،
تَزِيّنُهَا عِبَرٌ مُشْرِقَة،
مِنْ شَهْرَزَادَ، فِي لَيَالٍ مَهِيبَة،
هَدَّأَتْ شَهْرِيَار
ذَا النَّزْعَةِ الْغَرِيبَة
قِصَصُهَا الْعَجِيبَة.
عِطَاءُ اللَّهِ هَائِل
كتَبَ بِيَدٍ تَرْتَعِش،
وَكُلُّ شَيْءٍ زَائِل.
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِل.
كَتَبَ وَقَلْبُهُ كَقَلْبِ سندباد
وخيال كُونْرَادْ،
يَجُولَان الْبِلَاد،
وراى انْعِكَاسَ الْعُمْر
سرابًا عَلَى رِمَالٍ مُتَحَرِّكَة،
كَتَبَ عَنْ الْحُبِّ وَالْفَقْد،
وَالْهَزْلِ وَالْجِدّ
بَاسُلُوبِ كَلِيلَةٍ وَدَمْنَة
وَالْهَجْرِ وَالْوَجْد،
بنزعةِ شوقي
في مجنونِ لَيْلَى
وروحِ شكسبير
في هوى روميو وجولييت
وَلَكِنِ الْآن
يَحِلُّ الْغَسَقُ بِلَا اسْتِئْذَان،
أَلَّا لَيْتَ شِعْرِي
هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بَوَادِي الْقرَى
انِي إِذَنْ لِسَعِيد
وعَمَّا قَرِيب
سَتَطُولُ الظِّلَالُ عَلَى الْجُدْرَان.
وَيَتَكَدَّسُ الْغُبَار
فَوقَ الرّفُوف
وَبينَ طَيّاتِ السِّجلّ
فأَيْنَ الْفِرَار؟ !
يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ لِطَيِّ الْكُتُب،
بِالْحَاجَةِ إِلَى الرَّاحَةِ بَعْدَ التَّعَب،
لَا حَاجَةَ لِتَخْزِينِ الْمجلّات،
عَلَيْهِ الْخُلُودُ لِلسَّكِينَة.
بَدَأَتْ عَمَلِيَّةُ الْعَدّ
مَا أَصْعَبَهَا! رِحْلَةُ الْعَوْدَة
كچُوليڤر أطْلَقَ السَّفِينَةَ.
لِيَكْتَشِفَ أَسْرَارَ الْغَد
وَعِلْمُ الْغَيْبِ لَيْسَ عِنْدَهُ
انْهَكَهُ ثِقَلُ الْقِصَص،
الَّتِي لَمْ تُحْكَ بَعْد،
يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ يَوْمِ تَسْودّ
فَيهُ وُجُوه
عِبْءٌ ثَقِيلٌ، وَالرِّحَى تَدُور
فِي مَجْرَى الزَّمَن.
أَتَى وَقْتُ الْمُغَيب،
بِخُطُوَاتٍ صَامِتَة،
يَطْلُبُ الْخَاتِمَة،
بِكَلِمَاتٍ غَيْرِ مَقُولَة.
سَوْفَ يَفْحَصُ الرُّفُوفَ ، بِنَظْرَةٍ حَزِينَة،
يَا حَبَّذَا لَوْ تَعُودُ الطُّفُولَة
وَيَعُودُ لِلْوَطَنِ فَحولُه!
فَهَلْ تَسْتَجِيبُ الْأَقْدَار؟
أَمْسَى يَجِدُ الْعَزَاءَ فِي الضَّوْءِ الْبَاهِت
قَدْ بَلَغَ كُلُّ كِتَابٍ أَجِلَه.
رِيحُ الشِّتَاءِ تَنْفُثُ أَنْفَاسًا جَلِيدِيَّة،
تَدْعُوهُ إِلَى النُّجُومِ الْبَهِيَّة.
يَأْتِيهِ صَوْتٌ خَافِت،
إِيقَاعٌ حِسِّيّ،
"الْغَابَةُ جَمِيلَةٌ، مُظْلِمَةٌ وَعَمِيقَة"،
وَيُنَامُ وَيُنَام
مُنْسَجِمًا مَعَ إِيقَاعٍ سرْمَدِيّ.
جمال اسدي