حِكايةُ سَمِيرَةْ.
حِكايَةُ سَمِيرَةْ عَجِيبَةٌ مُثِيرَةْ، صَغِيرَةْ، وَحِيدَةٌ كَسِيرَةْ، عَثَرَتْ بِها الْخُطُوبْ، وَتاهَتْ بِها الدُّرُوبْ، حَسْرَتُها قائِمَةٌ في الْقُلُوبْ، حَيْرَى تَئِنُّ تَضِيقُ بِها السُّهُوبْ، مِنَ تَحْتِ كَوٍمِ الرُّكامِ أُخْرِجَتْ، وَمِنْ خِلالِ الرِّجامِ نُقِلَتْ، كُتِبَتْ لَها الْحَياةُ، بَِعْدّ مَا عَمِلَ الْجُناةُ، وَلَمْ يَرْحَمْها الْقَتَلَةُ السُّعاةُ، وَلَمْ يَأْبَهْ بِها الْقُضاةُ، فَقَدَتَ مِنَ الدُّنْيا والِدَيْها، وَلَمْ يَبْقَ حُطامٌ لَدَيْها، أَسْبَلَتْ مِنَ الْهَوْلِ عَيْنَيْها، مِنَ الِانْفِجارِ الْكَبِيرْ، الّذي لَمْ يُبْقِ كَبِيرًا وَلا صَغِيرْ، سَوَّى الْمَنازِلَ فِي الْأَرْضْ، حَطَّمَ الْحَياةَ وَالشَّرَفَ وَالْعِرْضْ.
سَمِعَ الْحَفّارُونَ تَحْتَ الْعَتَبَةِ أَنِينًا، فَهُرِعَ الرِّجالُ وَالنِّساءُ جَمِيعًا، لِيُنْقِظُوا صاحِبَ صَوْتٍ حَزِينًا، وَمِنْ تَحْتِ الْهَدْمِ وَالنّقِيضْ، أُخْرِجَتْ سَمِيرَةُ بِالْقَضِّ وَالْقَضِيضُ، بَعْدَ لَأْيٍ وَجُهْدٍ مَضِيضْ.
وُلِدَتْ سَمِيرَةُ إلَى الدُّنْيا مِنْ جَدِيدْ، مِنْ رَمْسٍ مُظْلِمٍ شَدِيدْ، تَحْمِلُ عَرُوسَتَها بِذِراعَيْها كَالْمَوْلُودِ الْوَليدٍ، وَالْمَطَرُ يَهْطِلُ وَ الصَّقِيعُ حَصِيدْ.
صاحَتْ سَمِيرَةُ بِكَلامٍ سَديدُ، ماما ماما،ماما ماما "بِدِّي" ماما،
مَسْكِينَةٌ صَغيرَتُنا سَمِيرَةْ، يَتيمَةُ أبٍ حانٍ وَأُمٍّ عَظِيمَةْ، لا تَدْرِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِها قَدْ قَضَوا، وَهِيَ الَّتي مِنَ الْمَوْتِ الزُّؤَام ناجِيَةْ.
حُمِلَتْ سَمِيرَةُ عَلَى الْأَذْرِعِ إلَى الْمَشْفَى، تُوَلْوِلُ مَذْهُولَةً غَرْثَى،
لِتُعالِجَ كَسْرًا فِي ساقِها الْيُمْنَى،
سَمِيرَةُ الْكَسِيرَةُ بِنْتُ الثَّلاثْ، لا تَعِي حَدِيثًا وَلا مَلاثْ، لَمْ يَبْقَ لَها مُعينٌ وَلا ميراثْ. تُحَمْلِقُ خَوْفًاً بِالنُّطاسِيِّ بَأَعْيُنٍ دامِعِةْ، لا تْدْرِي عِظَمَ الْمُصِيبَةِ والْفاجِعَةْ، سِوَى قَوْلِها ماما.